الأمر الثاني: القتال لإعلاء كلمة الله، وتكون هذه الوسيلة في آخر الأمر، حينما لا تجدي كل الوسائل الأخرى من دونه، وحينما يصبح حملة لواء الجهاد المقدس تحت الخطر الهاجم من قبل عدوّهم.
وإذا ألجأت الضرورة إلى سلوك سبيل القتال فإن القتال يستدعي الجود بالنفس، والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
ولذلك كان لمن يجود بنفسه في هذا السبيل حظ الشهادة في سبيل الله، وكان للمقاتل في هذ السبيل من الضمان الإلهي أن يدخله الله الجنة، وأن ينال ما لا يوصف من أجره عنده.
ولكن للقتال في سبيل الله ركناً أساسياً لا بد منه، وهو أن يكون في سبيل الله، ويعني هذا الركن العام في دلالته ما يشمل تحديد الباعث له على الخروج إلى القتال، والمطلب الذي يسعى إلى تحقيقه في الدنيا، والغاية القصوى التي يرجوها عند الله.
وذلك لأن الضمان الذي ضمنه الله للمجاهدين، إنما هو لمن خرج مجاهداً في سبيله لا يخرجه أي دافع دنيوي، وإنما يخرجه أمور ثلاثة:
أولها: باعث أسمى في نفسه يحركه إلى الخروج مجاهداً، ألا وهو باعث الإيمان بالله، والتصديق برسله. أما من خرج للقتال في سبيل ضلالات شيطانية إلحادية، أو في سبيل وثنيات مادية، فإنه يعرض نفسه إلى تهلكتين، تهلكة الموت أو القرح في الدنيا، وتهلكة العذاب الأليم في الآخرة.
ثانيها: مطلب يسعى إلى تحقيقه في الدنيا إذ يقذفه بنفسه إلى معترك الموت بإذن الله وطاعته فيقتل أو يقتل، ألا وهو نشر دين الله وإعلاء كلمته، وقد أوضح هذا الأمر الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، (أنَّ النبي سئل فقيل له: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه والرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل غضباً فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله") .