وفي كلام الرسول قوله صلوات الله عليه: "لو أوتي ابن آدم وادياً من ذهب لابتغى إليه ثانياً، ولو أوتي ثانياً لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب".
ولما كان علم الإنسان ضمن قدراته التي يستطيع بذلها لا يحقق له جميع مطامعه في تحصيل المال الوفير، الثراء الكثير، كانت نفسه باستمرار ممتدة للاستيلاء على أموال الآخرين التي جنوها بكدهم وسعيهم، إلا أن يردعهم رادع من دين، أو من خوف رب العالمين.
ولكن الآخرين حريصون أيضاً على ما لديه من أموال، فلم يكن أمام الناس بين يدي معركة الطمع والدفاع عن الحق إلا طريقان:
طريق الحق والعدل الذي تحمل لواء الدعوة إليه وصيانته شريعة الله الثابتة، ومعها وسيلتا الترغيب والترهيب العاجلتين والآجلتين.
وطريق العدوان والظلم الذي تميل إليه معظم النفوس، ما دامت في أيديها القوة الكافية لانتزاع حقوق الآخرين، والاستحواذ عليها إرضاءً لمطامع النفوس وشهواتها وأهوائها.
أما طريق الحق والعدل فمن العسير أن يلتزم الناس به إلا في حالتين: إحداهما: ضعف قوتهم عن العدوان على غيرهم، وعند ذلك ينادون بمبدأ الحق والعدل صيانة لأنفسهم وحفظاً لحقوقهم. وثانيتهما: سموّهم إلى مراتب الإيمان بالله، وشعورهم بأن الله القادر القاهر يراقبهم على أعمالهم، صغيرها وكبيرها، وسيحاسبهم ويجازيهم، ويقيم فيهم عدله بحسب أعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولا يضيع عمل عامل منهم، ولو كان مثقال ذرّة. وليس وراء هاتين الحالتين إلا تكلفات تعاني منها المجتمعات الإنسانية عناءً كبيراً، ثم تفلت