وتقبل هذه المدارس أبناء أثرياء المسلمين وبناتهم بصلف ظاهر، وزهد متصنع في بعض الأحيان، مع لهفة شديدة مكتومة إلى قبولهم،لأن المشرفين على هذه المدارس يعلمون أنهم كلما قبلوا وافداً جديداً من أبناء المسلمين وبناتهم فقد ظفروا بصيد جديد، وسرقوا من ذرياتهم عجينة لينة بكراً، يطبعونها كما يشاؤون، ويصورونها كما يريدون، ويخرجونها من الإسلام إخراجاً سهلاً، وهم يأخذون من أوليائها الأجر الباهظ على ذلك.
ويعيش هؤلاء الأبناء ضمن هذه المدارس غرباء في كل شيء،غرباء في الدين، وغرباء في اللغة،وغرباء في التقاليد والعادات، ثم تلجئهم الضرورة إلى التكيف مع الواقع الذي يعيشون فيه،وتقليد كل ما يشاهدونه، ومحاكات الأوضاع الاجتماعية التي تفرض عليهم. وبعد فترة من الزمن تصبح هذه الأمور التي اقتبسوها بالمحاكاة والتقليد ومحاولة التكيف مع الواقع جزءاً من حياتهم وأسلوباً محبباً. فإذا رجعوا إلى أهليهم نفروا من واقعهم واستنكروه، وشعروا بأنهم غرباء، ووقعوا في صراع عنيف بين الحياة التي نشأوا عليها في مدارسهم، وبين الحياة التي يشعرون بأنها حياة أهلهم وقومهم، ولكن تأثير الحياة التي عاشوها في هذه المدارس المنطلقة من القيود الدينية وقيود المجتمعات الإسلامية، والمزينة بمظاهر الأناقة والترتيب والنظام، تظل أقرب إلى أهوائهم ونفوسهم وما يشتهون.
لذلك فهم يحاولون بكل وسيلة أن يعملوا على تحويل واقع أسرهم وواقع مجتمعهم، حتى يكونوا صورة للحياة التي عاشوا في هذه المدارس، يهودية كانت أو نصرانية أو ملحدة كافرة بكل الأديان الربانية.
وبعد سنوات التعليم ذات العدد، يخرج الأبناء والبنات بزاد واسع من اللغات الأجنبية، وبجهل كبير باللغة العربية، لغة قومهم ودينهم، وبجهل بتاريخ أمتهم وتشويه له، وبجهل تام بالإسلام وبمصادره من قرآن وسنة، يضاف إلى ذلك ما يحملون من ميل إلى أساليب الحياة غير الإسلامية، وطرائق السلوك المجافية لأخلاق المسلمين وآدابهم.