نام کتاب : أصول الدعوة نویسنده : عبد الكريم زيدان جلد : 1 صفحه : 222
فلسطين، وقبل أن ينفصل من المدينة توفِّي الرسول -صلى الله عليه وسلم، فتوقف أسامة حتى بويع أبو بكر بالخلافة، فأرسل إليه عمر بن الخطاب يستأذنه بالرجوع مع جيشه؛ ليكون بجانبه ويسهم في دفع شرِّ المرتدين عن المدينة، وكان هذا رأي عمر بن الخطاب أيضًا، وغيره من المسلمين، ولكنَّ أبا بكر رفض هذا الرأي وقال: والله لو علمت أن السباع تجر برجلي إن لم أردّه ما رددته، ولا حللت لواءً عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم[1].
أما قصة المرتدين، فقد كان منهم فريق كبير امتنعوا عن أداء الزكاة مع بقائهم على الإيمان بالله وبرسوله، وأرسلوا وفدًا إلى المدينة ليقنع الخليفة بالموافقة على ذلك، فرفض أبو بكر هذا الرأي وقال: والله لو منعوني عقالًا لجاهدتهم عليه، وظلَّ أبو بكر -رضي الله عنه- على هذا الرأي بالرغم من رأي أكثر الصحابة أن اللين أوْلَى في هذه الحالة؛ لضعف المسلمين وانتشار الردة وكثرة المرتدين، ولكنَّ أبا بكر ظلَّ باقيًا على رأيه ماضيًا في الذي شرح الله له صدره من الحق، لا يضعف ولا يني[2].
ووجه الدلالة في هذه السابقة القديمة أنَّ أبا بكر -رضي الله عنه- أخذ برأيه ونفَّذه، ولم يأخذ برأي غيره وإن كانوا كثيرين.
ثالثًا: إنَّ الخليفة -رئيس الدولة- مسئول مسئولية كاملة عن أعماله، فلا يجوز إلزامه بتنفيذ رأي غيره إن لم يقتنع بصوابه، لأنَّ كون الإنسان مسئولًا عن عمله يعني أن يعمله باختياره ورأيه، لا أن يعمل وينفذ رأي غيره على وجه الإلزام وهو كاره له غير مقتنع به، ثم يُسْأَل هو عن هذا الرأي ونتائجه.
رابعًا: إنَّ صواب الرأي أو خطأه يستمدان من ذات الرأي وطبيعته، لا من كثرة أو قلة القائلين به.
خامسًا: ليست الكثرة لذاتها دليلًا قاطعًا أو راجحًا على الصواب، كما أنَّ القلة ليست لذاتها دليلًا قاطعًا أو راجحًا على الخطأ؛ إذ يمكن أن يكون الخطأ مع الكثرة، وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ} ، {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} . [1] أبو بكر الصديق، تأليف الأستاذ علي الطنطاوي ص162، 163. [2] المرجع السابق.
نام کتاب : أصول الدعوة نویسنده : عبد الكريم زيدان جلد : 1 صفحه : 222