من لم تحصل له هذه التقوى مع أدائه للعبادة؛ كان غاشاً في عبادته، مبطلاً فيها.
فمن شأن العابد أن يكون تقياً خائفاً من ربه محسناً، وهذه التزكية والطيبة والطهر، والعبادة قد وضعت لذلك، ولا يكون المرء طيباً طاهراً بغير العبادة؛ أن الطاعة من التزكية، فطاعة الله الذي له الفضل علينا والمنة والنعمة هي أول صور المعروف والإحسان والاعتراف، ولذلك لا يتصور زكاة وطهر بغير طاعة أمر الله واجتناب نواهيه.
وقد تكرر معنى "العبادة للتقوى" في آيات كثيرة من القرآن:
كما قال تعالى: {ولكم في القصاص حياةٌ ياأولي الألباب لعلكم تتقون} (البقرة: 179) .
وكقوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام: 153) .
وبهذا نصل إلى هذا المعنى الثالث من معاني التزكية، وهي أن شرائع الإسلام كلها؛ من: توحيد، وعبادة، وصلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وبر الوالدين، وصلة أرحام، ونهي عن الفواحش والمنكرات، ومعاملات تحقق العدل والإحسان؛ ما كل ذلك إلا لتحقيق هذه التزكية.
وهذه الأوامر والنواهي: إما أن تكون هي بذاتها من أركان هذه التزكية ولوازمها، وإما أن تكون مما يورث هذه التزكية ويؤدى إليها.
ومما يدلُّك على هذا المعنى جليا، بحيث لا يترك لنفسك فيه شبهة: أن تعلم أن الله وصف رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم: 4) .
ولقد كان هذا الخلق متمثلاً في العمل بكتاب الله، الذي تضمن كل أنواع التزكية؛ كما جاء في "صحيح البخاري": أن سعد بن