ولذلك أيضاً لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها؟ قال: [هي من أهل النار] (والحديث رواه أبو هريرة؛ قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا خير فيها، هي من أهل النار] . قال: فلانة تصلي المكتوبة، وتصدق بأتوار الأقط، ولا تؤذي أحداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [هي من أهل الجنة] "الأحاديث الصحيحة (رقم 190) " وقال الشيخ ناصر الدين: "إسناده صحيح. رواه: البخاري في "الأدب المفرد"، وابن حبان، والحاكم، وأحمد") .
والحكمة في هذا ظاهرة؛ إذ لو كانت هذه المرأة مصلية صائمة حقاً؛ لامتنعت عما يدنس النفس أقبح تدنيس، وهو إيذاء الجار.
ولذلك أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: [من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه] (رواه البخاري) .
وذلك أن الصائم الذي راقب الله -بزعمه- في تركه للطعام والشراب، ولم يستطع أن يراقبه في قول الزور والعمل بالزور: مبطلٌ في ادعاء خوف الله وتقواه، مبطلٌ لثمرة العبادة وغايتها وثمرة الصوم وغايته.
ولذلك لا يجوز لنا أن نفصل بين عبادات الإسلام وغايتها وثمرتها، فنظن أن أعمال القربات مقصودة لذواتها، وبذلك نفرغ العبادة من ثمرتها وغايتها.
بل قرن الله سبحانه وتعالى دائماً بين العمل والثمرة؛ كما قال عز وجل في الصوم: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة: 183) .
وقال تعالى عن غاية العبادة: {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة: 21) .
ففهم من هذا أن غاية العبادة كلها التقوى، وقد عبر الله هنا بـ {لعل} التي تفيد الترجي، والله لا يرجو شيئاً؛ لأنه ما شاء كان سبحانه وتعالى، ولكن الرجاء هنا بالنظر للعابد؛ لأنه ليس كل مؤد لهذه العبادة متقياً، بل المنافقون يؤدون الطاعات والعبادات ظاهراً وهم كافرون جاحدون.
ونفهم من هذا أيضاً أن