نزل أول ما نزل منه - أي القرآن - سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا. . . .» الحديث [1] .
لا شك أن الحكمة في هذا التدرج الحكيم تهيئة النفوس للقبول، وإلى ذلك يشير ابن حجر في قوله: ". . . فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام، ولهذا قالت: «ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندعها» وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف " [2] .
ويفهم من هذا أن عدم التدرج لا يؤدي إلى القبول بل يؤدي إلى النفرة غالبا، وقد أشار جماعة من العلماء إلى هذا بقولهم: " إن الله تبارك وتعالى لعظم حكمته في التشريع إذا أراد أن يشرع أمرًا شاقًّا على النفوس كان تشريعه له على سبيل التدرج، لأن إلزامه بغتة في وقت واحد من غير تدرج فيه مشقة عظيمة على الذين كلفوا به " [3] وبالتالي فلا تتهيأ نفوسهم لقبول ذلك التشريع، وقد أشارت إلى ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: «ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندعها» [4] .
فدل على أن التدرج يهيئ النفوس للقبول والتلقي وقد بين ابن حجر [1] البخاري، صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن (ك 69 ح 4707) 4 / 1910. [2] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري 10 / 48. [3] الشنقيطي، أضواء البيان 5 / 700. [4] انظر: الهامش رقم (1) .