لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينًا سواه [1] فرسل الله عليهم السلام كلهم متفقون على البدء بالدعوة إليه وإن اختلفت شرائعهم [2] ذلك أنه أوجب حقوق الخالق على المخلوقين، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] [3] .
وحين تأملي للسيرة العطرة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تبيَّن لي أهمية البدء بالدعوة إلى هذا النوع من التوحيد من وجوه:
الأول: بقاؤه صلى الله عليه وسلم ما يقارب نصف عمره بعد الرسالة يدعو إلى هذا التوحيد، ويركز عليه دون غيره، يدل على ذلك ما رواه الإمام مسلم عن أبي أمامة قال: «قال عمرو بن عبسة السلمي: كنت، وأنا في الجاهلية، أظن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت؟ قال: " أنا نبي "، فقلت: ما نبي؟ قال: " أرسلني الله "، فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلت بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء. . .» الحديث [4] . وروى البخاري عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه، قال: «لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول [1] انظر: ابن تيمية 1 / 154. [2] انظر: ابن سعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 4 / 202. [3] سورة الإسراء، الآية: 23. [4] مسلم، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عبسة، (6 / 294، 1 / 569) .