ومما يدل على ذلك من أفعاله صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري «عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة، فعلق بها سيفه، قال جابر: فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه، فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتًا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فها هو ذا جالس، ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم» [1] .
ففي هذا العفو والمن دليل على شدة رغبته صلى الله عليه وسلم في تأليف الكفّار ليدخلوا في الإسلام [2] .
وقد كانت نتيجة هذا العفو كما يرغب صلى الله عليه وسلم، حيث أسلم الرجل ورجع إلى قومه فاهتدى به خلق كثير [3] .
ويدل على تألفه بالعفو أيضا كريم عفوه وعظيم منِّه على ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، حيث قال: «أطلقوا ثمامة» [4] فانقلب بغض هذا الرجل المشرك حبًّا وعداوته صداقة، فأسلم وحسن إسلامه، وذلك لما أسداه [1] البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع (ك 67 ح 3905) 4 / 1515. [2] انظر: ابن حجر، فتح الباري 8 / 193. [3] انظر: المرجع السابق 8 / 193. [4] البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال (ك 67 - ح 1414) 4 / 1589، 1590.