خلل الحياة المسيحية، ولكن لم يكن لها يومئذ من سبيل ولا مدد إلا المدد الكائن في دار الإسلام من العلم الحي عند علماء المسلمين، العلم المسطر في كتب أهل الإسلام، فلم يترددوا، وبالجهاد الخارجي وبالحماسة المتوقدة، وبالصبر الطويل؛ انفكت أغلال القرون الوسطى بغتة عن قلب أوربا وانبعثت نهضة العصور الحديثة مستمرة إلى هذا اليوم. من يؤمئذ، عند أول بدء اليقظة، تحددت أهداف المسيحية الشمالية، وتحددت وسائلها، لم يغب عن أحد منهم قط أنهم في سبيل إعداد أنفسهم لحرب صليبية رابعة [1] .
وبما أن الأمة تمر بالمرحلة الرابعة من مراحل الصراع الذي يعتمد على العلم والدين والعقل واستخدام الأساليب المؤثرة على الأديان والعقول، فإن من أبرز أساليب هذه المرحلة " التنصير" الذي تدفقت جحافله الآيسة - من رحمة الله ومن نجاح أعمالها - على أقطار الأمة الإسلامية يبشرونها بالكفر، ويدعونها إلى الضلال والخبال، ويعدونها الغنى إن هي آمنت بالصليب، ومن صدق بهذه الوعود الكاذبة فاز بنسخة من الإنجيل المحرف، وأخذ منه المنصرون كل شيء حتى نفسه، يقول جاك مندلسون: (حينما تكون صحة [1] رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، تأليف الأستاذ محمود محمد شاكر. نشر مكتبة الخانجي ودار المدني، 1417 هـ، ص: 44-46، ويحسن بالقارئ الكريم الاطلاع على هذه الرسالة؛ لأنها تكشف حقيقة الصراع بين المسلمين والنصارى، ولأنها تذكي في المسلم عقيدة الولاء والبراء.