ذلك التأثير كان في الفنون والصناعات والتجارة أشد منه في العلوم والآداب وإذا ما نظرنا إلى تقدم العلاقات التجارية العظيم باطراد بين الغرب والشرق وإلى ما نشأ من تحاك الصليبيين والشرقيين من النمو في الفنون والصناعة تجلى لنا أن الشرقيين هم الذين أخرجوا من التوحش وأعدوا النفوس إلى التقدم بفضل علوم- العرب وآدابهم التي أخذت جامعات أوربا تعول عليها فانبثق عصر النهضة منها ذات يوم " اهـ.
وبهذا الانبثاق المبني على عداء الكنيسة لتلك العلوم بدأت أوروبا نهضتها على أساس فصل الدين عن العلم، فلا يعمل في المصنع ما يعمل في الكنيسة ولا يفكر المتعبد في الكنيسة بأمور المصنع، أي إما علم بلا دين وإما دين بلا علم؛ فابتعدوا عن الله ابتعاداً سبب الفساد المنتشر في الأرض، وهو ينذر بالدمار والهلاك.
قال سيد قطب رحمه الله في كتابه: (في ظلال القرآن) :" والعلم الذي يبعد القلب عن ربه علم فاسد زائغ عن مصدره وعن هدفه لا يثمر سعادة لصاحبه، ولا للناس إنما يثمر الشقاء والخوف والقلق والدمار؛ لأنه انقطع عن مصدره وانحرف عن وجهه وضل طريقه إلى الله. ولقد انتهت البشرية اليوم إلى رحلة جيدة من مراحل العلم بتحطيم الذرة واستخدامها، ولكن ماذا جنت البشرية اليوم من مثل هذا العلم الذي لا يذكر أصحابه الله ولا يخشونه ولا يحمدون له: ولا يتوجهون بعلمهم إليه؟ ماذا جنت غير الضحايا الوحشية في قنبلتي هيروشيما وناجازاكي وغير الخوف والقلق الذي يؤرق جفون الشرق والغرب معاً ويتهددهم بالتحطيم والدمار والفناء".
وعلى هذا الأساس جد الغربيون في الاكتشاف والتجربة وظهرت ثمار جدهم المادية بسرعة هائلة أذهلت المسلمين الذين كانوا هم يغطون في نوم عميق هذه المرة، ففتحوا أعينهم على مصانع الأرض وهي توزع على العالم إنتاجها وآلاتها النافعة في السلم والحرب. كما فتحوا أعينهم على أنظمة إدارية متقنة تقل فيها الفوضى، وأنظمة سياسية يتقلص فيها الاستبداد وتجسم فيها الديمقراطية التي فيها نوع من الشبه بالشورى في الإسلام، فانبهروا لما رأوا وندموا على ما أضاعوا من الوقت وانجلى أمام أعينهم ما هم فيه من التأخر عن ركب التقدم المادي الذي أحرزه الغرب فتاقت نفوسهم للحاق بالركب الحضاري المادي فتعالت الصرخات للحث على الأخذ من تلك العلوم التي أحرز الغرب تقدماً فيها. فنادت فئة بأخذ ما عند القوم على علاته ما يتصل