بالجانب الإنساني من عقيدة وقانون وأخلاق، وما يتصل بالجانب الكوني. وعارضتها فئة أخرى معارضة كاملة تدعو إلى الابتعاد عن الغرب وعلومه خشية من انحراف المسلمين إلى عقائد الكفار وأخلاقهم ونادت فئة أخرى إلى أخذ الصالح النافع الذي لا يعارض الإسلام، وهو الجانب الكوني فقط مع الحذر من عقائدهم وسلوكهم وليت هذه الفئة انتصرت على الفئتين الأخريين إلا أن الأولى متطرفة تدعو إلى فتح الباب على مصراعيه لكل شر وبلاء والثانية- تدعو إلى غلقه مطلقاً، وهو أمر غير ممكن وخير الأمور أوسطها.
ولقد أراد الله أن يكون الصوت المسموع هو صوت الداعين إلى التغريب المطلق، لأن العوامل والسنن كانت في جانب هذا الصوت المشئوم، إذ تفشي الجهل في الشرق الإسلامي، وانتشرت الأمراض والأوبئة، وخيم الفقر المدقع وهذا ثالوث خطير لا تطيق البشرية عليه صبراً وأي داع يرفع صوته للقضاء على هذا الثالوث يعتبر منقذاً عند جماهير الناس في مثل هذه الحال خصوصاً إذا كانت ثمار دعوته قد أينعت وقطفت بعض أزهارها وذاق الناس طعمها كما هو الحال في الغرب آنذاك، إذ انتشرت المدارس والمعاهد والجامعات وأسست المستشفيات ودور الأيتام، وطارت أسراب الحديد في السماء تنهب الجو نهباً، ومخرت الفلك العملاقة عباب المحيطات وشقت الطرقات المعبدة التي تعاونت مع السيارات على طي المسافات البعيدة في وقت قصيرة وطاولت القصور الشاهقة السحاب في السماء، وتلألأت الأنوار الكاشفة في المنازل والشوارع فأصبح الليل كالنهار، وغير ذلك مما لا يحصيه العد.
فانطلقت جموع أبناء المسلمين إلى مدارس الغرب التي أنشأها المستعمرون في البلاد المستعمرة، كمصر ودول شمال أفريقيا، ولبنان وسوريا والعراق واندونيسيا والهند وغيرها، كما هرعوا إلى جامعات الغرب في أوروبا وأمريكا، وكانت قلوبهم خاوية من عقيدة الإيمان وعقولهم خالية من علوم الإسلام، وصلتهم بالله مبتوتة فتلقتهم تلك المدارس والجامعات بمناهج معدة إعداداً يحقق أهداف الكفر، وهي اقتلاع ما بقي من أثر للعقيدة الإسلامية في قلوبهم بالشبهات وإفساد سلوكهم بالشهوات، كالزنا والخمر والنوادي الفاسدة والمسارح والأفلام السينمائية وغيرها.
وملء قلوبهم بالعقائد الفاسدة وعقولهم بالأفكار المنحرفة، ثم شغل أوقاتهم في