وكان الله غنيا عن مشاورتهم، ولكن أراد أن يستن للأمة[1]، وعنه: ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم[2]، وقيل: من كثرت مشاورته، حمدت إمارته[3].
ولأن المشورة تطييب لقلوب الرعية وإشعار لهم بحق المواطنة، وتشعرهم بأن البلاد لهم، وليسوا مجرد كائنات تحيا على هذه الأرض.
والحكماء يعدون المشورة من أساس المملكة وقواعد السلطنة[4]. وما زالت المشاروة من عادات الأنبياء، حتى إن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أمر بذبح ولده، ومع ذلك لم يدع مشاورته مع صباه[5].
وقيل: من طلب الرخصة عند المشورة أخطأ رأيه، أو في المداواة زاد مرضه، أو في الفتيا أثم[6]. وقيل: أصدق الخبر تصدقك المشورة[7].
ويتضح لنا أن عنصر المشاركة الإيجابية الفاعلة من قبل المواطن في شئون السياسة حق مكفول في الفقه الإسلامي، وإذا سلمنا بأن المشاركة هي أرقى أنواع الحقوق السياسية، وعلى حد تعبير أحد الحقوقيين عنها فهي: "الحقوق السياسية أو الدستورية، وهي السلطات المقررة للأشخاص باعتبارهم أعضاء في هيئة سياسية والتي تمكنهم من الاشتراك في الحكم. وأهم هذه الحقوق هي حق الانتخاب وحق الترشيح وحق تولي الوظائف العامة"[8].
12- وكما لاحظ صاحب كتاب "التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي" فالشورى لم تقرر نتيجة لحال الجماعة، فقد كان العرب في أدني درجات الجهل وفي غاية التأخر والانحطاط، وإنما قررت الشريعة نظرية الشورى، [1] تفسير الطبري: 3/ 101. [2] بهجة المجالس لابن عبد البر: 1/ 449. [3] سراج الملوك، ص154. [4] سراج الملوك، ص63. [5] سراج الملوك، ص64. [6] كلية ودمنة، طبعة الشعب، ص46. [7] سراج الملوك، ص64. [8] كتاب "نظرية الحق" الدكتور محمد سامي مدكور، دار الفكر العربي. القاهرة، ص10.