وأما دعوى ابن منصور في منع وقوع الشرك في هذه الأمة، فقد أبان الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن تلبيس ابن منصور في ذلك، فكان مما قاله: (وبالجملة فهذا المعترض مموه بلفظ الأمة ملبس. قال تعالى في ذم هذا الصنف من الناس {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [1] وهذا من أعظم اللبس والخلط والتمويه، والأمة تطلق ويراد بها عموم أهل الدعوة ويدخل فيها من لم يستجب لله ورسوله. وتطلق أيضا ويراد بها أهل الاستجابة المنقادين لما جاءت به الرسل، ومن لم يفصل ويضع النصوص مواضعها فهو من الجاهلين الملبسين) [2]. ويكشف الشيخ عبد اللطيف عن أصل هذه الشبهة عند ابن منصور، وسبب حدوثها فيقول: (واعلم أن هذا المعترض لم يتصور حقيقة الإسلام والتوحيد، بل ظن أنه مجرد قول بلا معرفة ولا اعتقاد، وإلا فالتصريح بالشهادتين والإتيان بهما ظاهراً هو نفس التصريح بالعداوة، ولأجل عدم تصوره أنكر هذا، ورد إلحاق المشركين في هذه الأزمان بالمشركين الأولين، ومنع إعطاء النظير حكم نظيره، وإجراء الحكم مع علته، واعتقد أن من عبد الصالحين، ودعاهم، وتوكل عليهم وقرب لهم القرابين مسلم من هذه الأمة، لأنه يشهد أن لا إله إلا الله) [3] ويظهر جهل ابن منصور حين لم يفرق بين أمة الإجابة، وأمة الدعوة، وقد رد الشيخ عبد اللطيف ذلك الاشتباه، فقال:
(ليس كل من وصف بأنه من الأمة يكون من أهل الإجابة والقبلة، وفي الحديث " ما من أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا كان من أهل النار "[4] رواه ابن ماجه[5]. وقال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً. يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [6] فدلت هذه الآية على أن هؤلاء الكافرين من الأمة التي يشهد عليهم صلى الله عليه وسلم ... والأمة في مقام المدح والوعد يراد بها أهل القبلة وأهل الإجابة. وتطلق في مقام التفرق والذم ويراد بها غيرهم فلكل مقام مقال) [7].
وأما المنع من تكفير هذه الفرق.. فليس لأنهم من الأمة، ولكن كما يقول الشيخ [1] سورة البقرة آية: 42.
2 "مصباح الظلام" ص 30.
3 "مصباح الظلام" ص 36. [4] مسند أحمد (2/350) . [5] لم أعثر عليه في سنن ابن ماجه، والحديث أخرجه مسلم في "صحيحه"، 1/134 في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته. [6] سورة النساء آية: 41.
7 "مصباح الظلام" ص 341 باختصار.