لقد استغل الخصوم هذا الإجمال والاشتراك في لفظ التوسل، فقلبوا الحقائق، وأجازوا دعاء الموتى، والاستغاثة بهم باسم التوسل، ثم زعموا أن الشيخ الإمام يكفر من توسل بالأنبياء والصالحين.
فزعم ابن سحيم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب يكفر من توسل بالصالحين[1]. وحرف ابن منصور الكلم عن مواضعه، فادعى أن الشيخ الإمام يكفر من توسل بذوات الصالحين[2] وافترى دحلان حيث قال: (كان محمد بن عبد الوهاب يخطب للجمعة في مسجد الدرعية ويقول في كل خطبة: ومن توسل بالنبي فقد كفر) [3].
ويزيد العاملي كذبا وزورا على سلفه، فيقول: (والتوسل بأنواعه مما منعه الوهابية وجعلوه شركا) [4].
إن الشيخ الإمام كفر من استغاث بالأموات سواء كانوا أنبياء أو أولياء ولو سميت تلك الاستغاثة توسلا، فالعبرة بالحقائق والمعاني وليست بالأسماء والمباني، فالتوسل عند عبّاد القبور يطلقونه على الاستغاثة بالموتى وطلب الحاجات منهم كما تقدم.
وأما دعوى أن الشيخ كفر من توسل بالصالحين، بمعنى سؤال الله بجاه هؤلاء الصالحين فقد أجاب الشيخ الإمام على تلك الدعوى ردا على ابن سحيم، فقال:
(فالمسائل التي شنع بها، منها ما هو من البهتان الظاهر -وذكر الشيخ الإمام منها- قوله: إني أكفر من توسل بالصالحين، وجوابي أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم) [5].
وفي المقابل نجد أن خصوما فهموا أن الشيخ لا ينكر الاستغاثة بالموتى، وطلب الحاجات منهم، واحتجوا بجواب كتبه الشيخ الإمام في حكم التوسل إلى الله بالصالحين ذكر فيه أنه لا ينكر من توسل بالصالحين؛ لأنها من مسائل الفقه، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، مع أن الشيخ الإمام صرح، ووضح في نفس الجواب الفرق بين التوسل بذوات الصالحين بمعنى سؤال الله بذواتهم، وبين سؤال الصالحين ودعائهم والاستغاثة [1] انظر: "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/12 وانظر أيضا: 5/64. [2] انظر: "مصباح الظلام" للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ص 73.
3 "الدرر السنية في الرد على الوهاببة" ص 42.
4 "كشف الارتياب" ص 301.
5 "مجموعة مؤلفات الشيخ" 5/64.