أن يوسف بدعائه لأحد صاحبي السجن لم يكن عابدا له ولا كافرا، وقوله1 "فإن الشفاعة التي أعطاها غير النبي، فصح أن الملائكة يشفعون، والأولياء يشفعون. أتقول إن الله أعطاهم الشفاعة، فاطلبها منهم. فإن قلت هذا، فقد عبدتم" غلط أيضا، لما قلنا من أن طلب الشفاعة ممن أعطيها سواء كان نبيا، أو كان وليا، أو وصيا، أو ملكا، أو مؤمنا ليس عبادة له، فيصح لنا أن نطلب الشفاعة من الأوصياء، والأولياء، والملائكة، والصلحاء، وليس في ذلك شرك) [2].
ويسوي ابن داود بين قول: اللهم شفع محمدا فينا، وبين قول: يا محمد اشفع لي، فيقول:
(وإذا ثبت أن لهم -محمد صلى الله عليه وسلم وعترته- الشفاعة المقبولة، وأنهم مأذونون في الشفاعة، ونحن مأمورون بطلبها، كان لنا الخيار في الدعاء. فإن شئنا طلبناها، وقلنا اللهم شفعهم فينا، أو لا تحرمنا شفاعتهم، أو تقبل شفاعته فينا، وإن شئنا طلبناها منهم وقلنا يا أولياء الله اشفعوا لنا عند الله، واستغفروا ذنوبنا إلى غير ذلك) [3].
ويفسر محمد بن عبد المجيد معنى الإذن -أحد شرطي قبول الشفاعة- فيقول:
(والذي يظهر -والله أعلم- تفسير الإذن بلازمه، من الرضى والاختيار، والمعنى: لا أحد يشفع عنده شفاعة نافعة، إلا برضاه، واختياره تعالى، إذ لا ينفذ لأحد مراد لم يرده الله تعالى ... ) [4].
وبناء على ذلك، فإن محمد بن عبد المجيد لا يشترط الإذن للشافع، لذا يقول:
(والمتحصل من هذا أن الشفاعة لا تتوقف على إذن خاص، بمعنى إطلاقها وإباحتها للشافع، ولكن يتوقف نفعها على رضاه تعالى أن يقبلها، واختياره لذلك ... ) [5].
ويدافع محمد بن عبد المجيد عن المستغيثين بالموتى والذين يسألونهم الشفاعة فيقول:
(والمشركون كانوا يعتقدون في أصنامهم أنها تنفع وتضر ... فأين هذا ممن
1 أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
2 "إزهاق الباطل" ق 35.
3 "إزهاق الباطل" ق 53.
4 "الرد على بعض المبتدعة من الطائفة الوهابية"، ص 13.
5 "الرد على بعض المبتدعة من الطائفة الوهابية"، ص14.