يستغيث من المسلمين بنبي، أو ولي، ويسأله الشفاعة، معتقدا أنه لا يملك نفعا ولا ضرا ... ) [1].
ويرد محمد بن عبد المجيد على اعتراض لما قرره، فيقول:
(وأما تمسكه -أي الإمام سعود بن عبد العزيز- في منع استشفاعهم إلى الله بقوله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [2] قلنا مسلم، ولا ينافي طلبنا منهم الشفاعة في مآرب الدنيا والآخرة؛ لأن شفاعتهم لنا من بعد إذنه تعالى لهم بإلهام، أو غيره مما يعلمونه أولا، ولأن شفاعتهم مجرد دعائه لله تعالى، وطلب وابتهال، كما يدعو المؤمن لأخيه بظهر الغيب. ومعنى توقفها على الإذن توقف قبولها على رضاه تعالى، واختياره الإجابة، لا كما زعم المشركون أن معبوداتهم تشفع لهم عنده، وجزموا بذلك، ولم يلتفتوا إلى توقف نفع شفاعتها على قبوله تعالى، ورضاه، حتى كأنهم لا بجوزون رد شفاعتها..) [3].
ويدعي الحداد أن سبب كفر مشركي العرب هو نسبتهم الولد لله تعالى، وليس لأنهم جعلوا الأصنام، أو الأولياء شفعاء تقربهم عند الله زلفى. فيقول:
(وقوله تعالى في سورة الزمر: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [4] فإن بعدها قوله تعالى ردا على من نسب له الولد، تعالى الله {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [5] وقولهم ليقربونا معتقدين أنهم آلهة وأنهم شركاء، كما حكى عنهم سبحانه في قوله: {هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} [6] الآية، ولو أنهم آمنوا بالله وحده، وأقروا برسالة نبيه، وما جاء به، واعتقدوا في الحجر أنه من خلقه، وأنه لا ذنب له، نفعهم، لقوله عليه السلام " لو اعتقد أحدكم في حجر لنفعه " 7 لاعتقاده أنه لا يضر ولا ينفع خلق من خلقه إلا بإذنه) [8].
1 "الرد على بعض المبتدعة من الطائفة الوهابية"، ص 16. [2] سورة الزمر آية: 44. [3] الرد على بعض المبتدعة..، ص 47 بتصرف يسير. [4] سورة الزمر آية: 3. [5] سورة الزمر آية: 4. [6] سورة الأنعام آية: 136.
(قال اين تيمية -عن هذا الحديث-: كذب، ونحوه قول الحافظ ابن حجر لا أصل له، وقال ابن القيم: هو من كلام عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالأحجار) . عن كتاب "كشف الخفاء" لإسماعيل العجلوني، مكتبة التراث، سوريا، 2/216،217 باختصار.
8 "مصباح الأنام"، ص 18. يظهر-جليا- من كلام الحداد، وغيره من المبتدعة الذين سبق ذكرهم، أنهم لا يدركون، ولا يعرفون معنى إذن الله، فهم لا يفرقون، ولا يميزون بين الإذن الكوني القدري، وبين الإذن الديني الشرعي ... ، فقد ظن هؤلاء الجهلة أن معنى إذن الله للشافع، أي تحقق ذلك قدرا وكونا، ومن ثم استنكروا كلام أئمة الدعوة في إيراد هذا الشرط لتحقيق الشفاعة، لأنهم فهموا من هذا الشرط بإمكانية وقوع ما يخالف القدر -الكوني-، مع أن علماء الدعوة قصدوا بالإذن -هاهنا- أي الشرعي الديني. انظر: بيان الفرق بين الإذن الكوني القدري وبين الإذن الديني في كتاب "شفاء العليل" لابن القيم، مكتبة التراث، القاهرة، ص 588.