ولا يمكن أيضا أن يحمل هذا الاستشفاع الذي يعتقد صاحبه أن من استشفع به يشفع بدون إذن الله، وبدون رضاه، بل يشفع قهرا وقسرا؛ لأن المشركين كانوا مقرين بخضوع أصنامهم وخضوع كل شيء لله لا ينازعون في هذا ولا يمحالون، ولهذا يتخذون أصنامهم شفعاء لديه تعالى، ويقولون إنها تقربهم إلى الله زلفى، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ولا ريب أنه لا بد أن يكون الشافع والمشفوع له خاضعين دائنين لسلطانه وقهره؛ لأنهم لو كانوا يعتقدون أن الأصنام مستقلة عن الله، قادرة على منح الخير، والفلاح، والسعادة من دون الله، وبدون إذنه ورضاه، لما احتاجوا إلى جعلهم شفعاء لديه سبحانه) [1].
فإذا كان الأمر كذلك، فإن هؤلاء المستشفعين بالموتى قد شابهوا المشركين الأولين في اتخاذهم الأصنام شفعاء، ووسائط تقربهم إلى الله زلفى.
ثم يتحدث عما يجره إلاستشفاع بالموتى من المحرمات، فكان مما قاله:
(إن تجويز الاستشفاع بالموتى يلزمه أنواع كثيرة من أنواع المحرمات المحظورة في الدين، وفي العقول، فإن الميت إذا استشفع به، وقصد للشفاعة، فلا بد أن يعكف على قبره، وأن يطاف به، وأن يستلم، ويقصد، ويحج من كل مكان ... ومما يدل على هذا التلازم الواقع والعادة..) [2].
ويرد القصيمي على دعوى العاملي بأن الله أعطى الصالحين الشفاعة، فلا مانع من سؤالهم ما أعطوا، فكان من ردوده أنه قال:
(قد أعطى الله الملائكة الشفاعة على ما ذكر في الآية، ولا يجوز طلبها منهم، ولا الاستشفاع بهم بالضرورة، بل لقد أعطي الجماد الشفاعة كما قال: إنه أعطاها الحجر الأسود، وأخبر أنه يشفع ويشفع يوم القيامة. وهل يجرأ المخالف الرافضي أن يدعي أنه يجوز طلب الشفاعة من الجماد ومن الحجر الأسود، وأنه يجوز الاستشفاع به؟ بل لقد جاء وصح أن القرآن يشفع، وأن الأطفال يشفعون لآبائهم وأقاربهم. فهل يزعم الرافضي أن الاستشفاع بالقرآن، والقرآن عندهم مخلوق، وبالأطفال جائز مطلوب ودين يتقرب إلى الله به؟) [3].
ثم أورد جوابا آخر على دعوى العاملي السابقة، يقول القصيمي:
1 "الصراع بين الإسلام الوثنية" 2/286. [2] المرجع السابق، 2/288، باختصار. [3] المرجع السابق، 2/301،300.