فإنه لما غلب على حال كثير من المسلمين ظهور الشركيات، وانتشار البدعيات، واستفحال الخرافات، والغلو في الأموات والاستغاثة بهم، وظهور تشييد المشاهد وإقامة المزارات على القبور، وزخرفتها وتزيينها وصرف الأموال الطائلة عليها.. فلما غلب ذلك على حال عامة المسلمين، فإن هؤلاء المتصوفة والرافضة وجدوا في هذا الواقع الآسن مرتعا خصبا لبث سمومهم العقدية.
فلما بدت أنوار هذه الدعوة تكشف غياهب الظلام، وتزيل أدران الشرك ونجاساته، وتدعو الناس إلى تحقيق التوحيد بصفائه ونقائه، أدرك الخصوم أن ظهور هذه الدعوة السلفية نذير بزوال عقائدهم الباطلة، فحشد أولئك الخصوم قواهم وانبروا في التشنيع بهذه الدعوة وأنصارها، وهم أثناء تشنيعهم يذكرون معتقدهم الصوفي أو الرافضي -وغيرهما- ويزينونه للناس ويزعمون أنه الحق[1].
فنجد هؤلاء الصوفية أثناء ردهم على الدعوة السلفية، يتبجحون بصوفيتهم ويفتخرون بانتسابهم إلى الطرق الصوفية كالنقشبندية أو القادرية أو التيجانية.. ويدافعون عن التصوف وأدعيائه.
والرافضة أثناء مناهضتهم للدعوة السلفية يدافعون- بكل ما عرف عنهم من كذب وقلب للحقائق- عن معتقدهم، ونوضح ذلك بما حدث منهم لما كتب علماء المدينة سنة 1344 هـ الفتوى حول حكم البناء على القبور واتخاذها مساجد وأجابوا بالحق الذي تعضده الأدلة، فلما ظهرت هذه الفتوى، وتم العمل بموجبها، وأزيلت القبب والأبنية على القبور، عندئذ قام علماء الرافضة وضجوا، وسودوا الصحائف والأوراق في الطعن على هذه الفتوى، والنعي للمسلمين على زوال تلك القباب والمزارات فمن هذه الكتب التي سطرت- آنذاك- رسالة في رد الوهابية للأوردبادي، ورسالة في نقض فتاوى الوهابية لمحمد حسين، والرد على فتاوى الوهابيين لحسن صدر الدين الكاظمي، وغيرها من الكتب والرسائل التي ألفها أئمة الرافضة، والذين عهد عنهم عمارة المشاهد والقباب، دون المساجد التي أمر الله أن تعمر بطاعته[2].
هذه بعض الأسباب الظاهرة لشدة عداوة الخصوم للدعوة الوهابية[3] وكثرة [1] من خلال استقراء كتب الخصوم، لاحظت أن غالبهم إما صوفية أو رافضة، فالمتصوفة يجاهرون بذلك وينافحون عن تصوفهم ويدافعون عن أرباب التصوف وكذلك الرافضة يفعلون. [2] انظر: أم القرى ع 104، مقالا "حول هدم القبور للشيخ عبد الله البليهد". [3] بالنسبة إلى كلمة "الوهابية" فإن الكثير من الخصوم أطلقوا هذا اللقب على أتباع الدعوة السلفية، ويريدون بذلك توهيم الناس أن الوهابية مذهب جديد أو مستقل عن سائر المذاهب الإسلامية، لذا فإن بعض الباحثين يتحاشون من هذا اللقب. (انظر: تعقيب الشيخ صالح الفوزان على كتاب "محمد بن عبد الوهاب" لعبد الكريم الخطيب، مجلة كلية أصول الدين ع 1، ص 68، حيث خطأ الفوزان إطلاق اسم "الوهابية" على دعوة الشيخ من ناحية اللفظ ومن ناحية المعنى، وانظر: ما كتبه الشيخ عبد الله الجبرين حول هذا الإطلاق في مجلة البحوث الإسلامية ع 9، ص 129) . ولكن فيما بعد - كما هو ظاهر في السنوات الأخيرة - نجد علماء الدعوة وأنصارها لا يتحاشون استعمال كلمة "الوهابية" (انظر: رسالة "الهدية السنية والتحفة الوهابية النجدية" لابن سحمان، و"أثر الدعوة الوهابية" لمحمد حامد الفقي، و "الوهابيون والحجاز" لمحمد رشيد رضا، و"الثورية الوهابية والفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم، للقصيمي، و"حقيقة المذهب الوهابى" لسليمان الدخيل) . يقول أحمد بن حجر آل بوطامي في كتابه عن محمد بن عبد الوهاب: (ومن معاملة الله لهم -أي خصوم الدعوة- بنقيض قصدهم هو أنهم قصدوا بلقب الوهابية ذمهم، وأنهم مبتدعة، ولا يحبون الرسول كما زعموا، صار الآن لقبا لكل من يدعو إلى الكتاب والسنة، وإلى الأخذ بالدليل، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة البدع والخرافات، والتمسك بمذهب السلف) ص 51. ويقول مسعود الندوي في كتابه "محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم": (وعلى كل حال فنظرا إلى تلك المحاولات التي بذلت لإظهار الوهابية في صورة مذهب مستقل وطائفة ضالة، هذا الاسم منتقد أشد الانتقاد ولكن بغض النظر عن هذه الأكذوبة والافتراء فلا أرى حرجا في هذه التسمية) ص 165. وانظر: ما كتبه عبد الله العثيمين في كتابه "محمد بن عبد الوهاب" ص 101-104.