"كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس" [1]. وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يتحبب إلى بعض ضعاف الإيمان بشيء من العطايا تأليفا لقلوبهم واستنقاذًا لهم من النار.
بالإضافة إلى أن "الدعوة الإسلامية تهذب رغبات الناس وشهواتهم، وتسمو بهم إلى مدارج الكمال البشري المنشود، وهي مع ذلك تصادم كثيرًا من الطبائع المنحرفة والفطرة السقيمة، والإرادات الشيطانية، لذا فقد يجنح الداعي إلى توخي رضا من يدعوهم، فهل هذا من آفات ترك الإخلاص؟ الواقع أننا في هذه المسألة إزاء حالتين متباينتين متضادتين.
الحالة الأولى: أن يطلب رضا من يدعوهم للرضا ذاته لا يشوبه مقصد آخر من مقاصد الدعوة، وهذا لا يسلكه إلا ضعيف الإيمان.
الحالة الثانية: أن يطلب رضا من يدعوهم يتوخى إيمان المدعو، وصلاح أمره وفيأته إلى الحق ورجعته إلى خالقه، فهو يداريه إما توقيا لشره ودفعا لغائلته، أو طلبا لخيره واستجابته من غير مداهنة، فالحال آنئذ لا يطعن في أصل الإخلاص وإنما الأعمال بالنيات، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلًا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة، وبئس بن العشيرة". فلما جلس تطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت له؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة متى عهدتني فحاشا إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره" [2]. [1] صحيح سنن الترمذي/ كتاب الزهد: "2414". [2] متفق عليه رواه الإمام البخاري: "5/ 2244" "5685"، وعند مسلم: "4/ 2002" =