وأكثر هؤلاء المتعصبين هم من أهل الكتاب. الذين يتجاهلون سماحة الإسلام، وكرمه في معاملتهم، ودعوته القوية إلي مودتهم ومحبتهم، ومراعاة شعورهم وإحساسهم، ومحافظته الشديدة على مقدساتهم، وأموالهم، وأماكن عبادتهم، وتركه لهم وما يدينون؛ لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين.
ويكفي برهاناً على ذلك؛ أن الله تعالى مدح النصارى في كتابه الكريم؛ ووصفهم بالعلم والعبادة، والزهد والتواضع، والانقياد للحق فقال: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل إلي الرسول تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين. وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين.} . (1)
والآيات وإن كانت نازلة في طوائف خاصة؛ إلا أن علماء الأصول اتفقوا على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فكل من اجتمعت فيه الصفات المذكورة تشمله الآيات.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أنا أولي الناس بعيسي بن مريم في الآولي والآخرة قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: الأنبياء إخوة من علات (إخوة الأب) وأمهاتهم شتي، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي)) . (2)
(1) الآيات 82، 83، 84 سورة المائدة.
(2) أخرجه مسلم (بشرح النووي) كتاب الفضائل، باب فضائل عيسي بن مريم 8/130 رقم 2365، والبخاري (بشرح فتح الباري) كتاب الأنبياء، باب واذكر في الكتاب مريم 6 / 550 رقم 3443.