ولقد أوصي صلى الله عليه وسلم أمته بقبط مصر خيراً، واتخذ منهم أم ابنه إبراهيم - عليه السلام -، والتاريخ أكبر شاهد على تسامح المسلمين وحسن معاملتهم لأهل الكتاب، وإطلاق الحرية لهم في مزاولة طقوسهم الخاصة، وتطبيق أحكامهم في جميع أحوالهم الشخصية، من طلاق وزواج ونحوهما، وعدم تنفيذ الحدود الشرعية عليهم التي تتعلق بحدود الله تعالى، كشرب الخمر وغيره.
والجميع يعرف كيف عامل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصارى بيت المقدس، وأعطاهم العهد والأمان على أموالهم وكنائسهم وصلبانهم. وكيف أنه لم يرضَ أن يصلي داخل الكنيسة حين حضرته الصلاة، وإنما صلىَّ على الدرج الخارجي لها. خشية أن يستولي المسلمون عليها فيما بعد ويقولون: هنا صلي عمر.
والتاريخ يعرف أيضاً كيف استقبل النجاشي (وهو نصراني) المسلمين الأولين المهاجرين إلي بلاده، وكيف أكرم وفادتهم، ورفض أن يسلمهم لأعدائهم، وأعطاهم الحرية الكاملة في أداء عبادتهم.
وهاهو المقوقس عظيم القبط بمصر يرد على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم رداً كريماً حسناً، ويهدي إليه جارية، وغلاماَ، وبغلا، ويقول: إني نظرت في أمر هذا النبي، فهو لا يزهد بمزهود فيه، ولا ينهي عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب! .
ومما تقدم يتضح لكل عاقل منصف أنه لا محل لهذه العصبية العمياء، ولا معني لها، ولا ضرر على أحد من تطبيق التشريع الإسلامي، بل الخير كل الخير، والنصر كل النصر في تنفيذه، فإن الله تعالى وعد بنصرة من ينصر دينه، والله لا يخلف الميعاد، ونَِصَرْ دينه لا يكون بالأماني والكلام والوعود، وإنما بتنفيذ أحكام كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
والخلاصة: أن قيام حكم إسلامي في دولة عصرية، ليس معناه خسارة ولاء غير المسلمين فيها
وعدم رضاهم؛ كما يري البعض!