الباب الأول/ العقل أولاً ثم ننظر فيما يقال
شعرت بحاجة إلى أن أمسح عيونى وأنظم رموشها، ثم نظرت إلى أصابعى بعد ذلك فوجدت بينها بضعة أهداب عالقة، نفختها فطارت إلى حيث لا أدرى.
وما لبثت أن تساءلت: أين وقعت؟ وكان الجواب: على الأرض حيث تفنى..
ولكن المعانى تداعت: وما يدريك أنها ستأخذ دورة أخرى فى الحياة فتكون سماداً لحبوب متراصة فى سنبلة قمح أو كوز ذرة؟
ولم تقف عند ذلك: لعلها تعود إلى كيان آخر لإنسان مثلى!
ترى ماذا ستكون فى هذا الكيان الجديد؟!
.. رموشاً تظلل العين كما كانت عندى، أو عنصراً آخر فى عظمة وفحمة؟
وزادت المعانى تداعياً: من الذى يشرف عليها فى هذه الرحلة؟
إنه ليس إشراف علم ورقابة. إنه إشراف كينونة وتغيير وتنقيل من أعلى لأدنى أو من أدنى لأعلى..
وزادت المعانى تداعياً: إن هذه الملاحقة الماسة لا تعنينى وحدى.. إننا ـ أبناء آدم ـ نبلغ قرابة أربعة آلاف مليون على ظهر هذه الكرة الطائرة، والخلاق العليم وراء كل قطرة دم تتدفق فى العروق، ومن وراء كل ثمرة تنبت فى الجلود والرءوس والجفون، من وراء كل زفير أو شهيق تعلو به الصدور وتهبط..!!
ذاك فى كياننا المادى، أما فى كياننا المعنوى فقد تصورت هذا الإشراف الأعلى على هواجس الفكر فى الأدمغة، أدمغة الخلق فى كل قارة، فى كل شبر معمور، وعلى كل تيارات الحس المختلفة من حزن وسرور، من يأس أو رجاء، من نشاط أو استرخاء..