ثم لا يغيب عن البال أن هذا الحكم لا يسرى على جميع أفراد الخوارج، بل قد وجد منهم فيما بعد أفراد وأئمة تفقهوا فى الدين، ورووا الحديث، واعتمدهم كما قال ابن الصلاح فى مقدمته بعض أئمة الحديث كالبخارى فقد احتج بعمران بن حطان [1] ، وهو من الخوارج لا سيما إذا علمت أن الخوارج يحكمون بكفر من يكذب؛ لأن مرتكب الكبيرة كافر فى نظرهم، والكذب من الكبائر أ. هـ. [2] .
قلت: احتجاج الإمام البخارى فى صحيحه بعمران بن حطان رغم أنه مبتدع من الخوارج؛ فقد كان رأس القعدية من الصفرية، وفقيههم، وشاعرهم، وخطيبهم مع كونه داعية إلى مذهبه فقد مدح (عبد الرحمن بن ملجم) قاتل أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه. احتجاج البخارى به وبغيره من المبتدعين محمول على:
1- أنه خرج لهم ما حمل عنهم قبل ابتداعهم.
2- أو أنهم يكونون ممن تابوا ورجعوا عن بدعتهم فى آخر حياتهم.
3- أو يكونون تبرؤوا مما نسب إليهم.
وعلى القول الأول حمل ما أخرجه الإمام البخارى عن عمران بن حطان قال ابن حجر -رحمه الله-: "وقد أخرج له البخارى على قاعدته فى تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متديناً وقيل: إن يحيى بن أبى كثير [3] ، حمله عنه قبل أن يبتدع" [4] وليس لعمران بن حطان فى البخارى سوى حديثين أحدهما متابعة [5] والآخر أصل [6] .
وعلى الأقوال السابقة يحمل أيضاً ما أخرجه الإمام مسلم فى صحيحه عن المبتدعين. [1] عمران بن حطان: هو عمران بن حطان بكر الحاء وتشديد الطاء المهملتين السدوسى، سمع عائشة وابن عمر وابن عباس، روى عنه يحيى بن أبى كثير، وكان رأساً فى الخوارج. وقال العقيلى: لا يتابع على حديثه ووثقه العجلى، وقال قتادة: كان لا يتهم فى الحديث، وقال أبو داود: ليس فى أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطان، وأبا حسان الأعرج، وذكره ابن حبان فى الثقات، مات سنة 184هـ له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1 /751 رقم 5168، والكاشف2 /92 رقم4262، ورجال صحيح البخارى للكلاباذى 2/574 رقم 904، والجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسرانى1 /389 رقم 1484، والثقات للعجلى ص 373 رقم 1301، والثقات لابن حبان 5 /222، وانظر: حاشية ابن العجمى على الكاشف 2 /92، 93، والبيان والتوضيح لمن أخرج له فى الصحيح ومس بضرب من التجريح للعراقى ص 189 رقم 291. [2] الحديث والمحدثون ص 86، وانظر: الملل والنحل 1 /115، 116. [3] يحيى بن أبى كثير: هو يحيى بن أبى كثير من موالى بنى طئ من أهل البصرة عالم أهل اليمامة فى عصره، ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل مات سنة 132هـ وقيل قبل ذلك. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2 /313 رقم 7660، والثقات لابن حبان 7 /591، والتاريخ الكبير للبخارى 4 /2 رقم 301، وصفوة الصفوة 4 /75 رقم 657، والكاشف 2 /373 رقم 6235، ومشاهير علماء الأمصار ص 224 رقم 1037. [4] فتح البارى 10 /302 رقم 5835. [5] انظر: صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه 10/296 رقم 5835. [6] انظر: المصدر السابق نفس الكتاب، باب نقض الصور 10 /398 رقم 5952.