لأنصار الدين وأتباعه في الأرض، ونفاقها هذا سياسة مرحلية ذكية، تعتمد على أسلوب التدرج، حتى إذا تمكنت انتقلت إلى الإجهاز على الدين كله إجهازاً كلياً، ويومئذٍ ترتدي الرداء الثاني، وتعلن حربها للدين كله.
فهي مع تظاهرها بهذا الحياد النسبي الجزئي تشجع الدراسات الفلسفية المعادية للدين وتتبناها، وتشجع المذاهب الفكرية القائمة على الإلحاد والكفر بكل الأديان وتتبناها.
وقد تسترضي جماهير المتدينين استرضاءً صورياً، ببعض شكلياتٍ ومظاهر لا تعطي الفكر الديني قوَّة ولا انتشاراً.
وبعض المؤمنين بـ "الدنيوية = العلمانية" يرون ضرورة التسامح مع الدنييين، على أساس أن لهم الحق في اعتقاد ما يشاءون، وفي أن يكونوا أحراراً في الأخذ بالمبادئ التي يقتنعون بها.
فباستطاعتنا إذن أن نُدخِل في الاتجاه الذي يحمل شعار العلمانية كل المذاهب الفكرية والسلوكية المخالفة للدين، والمتنافية معه (الفلسفية، والنفسية، والأخلاقية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والإدارية، وغيرها) .
فالعلمانية شعرا يتستر بالعلم، وبالتزام ما تثبته الحقائق العلمية، ويوحي ضمناً أو يعلن صراحةً أن الدين يتناقض مع العلم.
ومن له ظن حسن بالدين، من الذين يحملون شعار العلمانية أو الدنيوية، وأصل المبدأ غير واضح في ذهنه تماماً، يقول:
إن صدق الدين إنما يكون في دائرة اختصاصه فقط، وهي عقائد غيبية وعبادات وطقوس ومراسيم خاصة. أما شؤون الحياة الدنيا فهي من اختصاص العقل ووسائل المعرفة الإنسانية.
وبهذا الزعم الباطل يضيقون دائرة اختصاص الدين تضييقاً شديداً.