للوصول إلى غاية واحدة، لا بد أن تكون نتائجها متطابقة، أو متكاملة غير متناقضة.
فالشيء الواحد قد تقدم عنه العين معلومات لا تقدمها الأذن ولا يقدمها الذوق ولا يقدمها الشم، وكل حاسة تقدم معلومات لا تقدمها الحاسة الأخرى، ولكنها لا تتناقض فيما بينها بل تتكامل.
كذلك ينبغي أن تكون طرق الإدراك الحسي مع طرق الاستدلال العقلي مع طرق الخبر الإنساني مع طرق الوحي، إذ الأصل فيها أن تتكامل وتتوافق لا أن تتناقض، فإذا تناقضت فلا بد أن يكون في بعضها أو في جميعها خلل، والصحيح منها هو الذي يعطي صورة صادقة عن الحقيقة بمقدار ما يقدم من جلاء ووضوح وإثبات.
وأية وسيلة مهما كانت صادقة وصحيحة فإن الغالب في شأنها أن تكشف جزءاً من الحقيقة، وقلما تكشف كامل الحقيقة، وقد قال الله عزّ وجلّ في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :
{وَمَآ أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}
والوحي الذي هو منحة من الله لعباده عن طريق النبوة هو طريق من طرق المعرفة الصحيحة، وهو يقدم شهادة بالحقيقة، عن الشيء أو الأمر الذي أخبر عنه. ومتى كان الخبر عن الوحي خبراً يقينياً مقطوعاً به فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يتناقض مع اليقين الذي تُوصِلُ إليه الوسائل الإنسانية الحسية أو العقلية أو الخبرية. ولو أمكن أن تتناقض لكان معنى ذلك أن الفاطر الحكيم لم يضع بين أيدينا الوسائل الصحيحة التي تكسبنا المعارف والعلوم الحقة، أو لم يصدقنا فيما أخبرنا به عن طريق الوحي، وكل من الأمرين مستحيل عقلاً وشرعاً.
إن الله عزّ وجلّ قد جعل وسائل المعرفة فينا مسؤولة في ميدان المعرفة والبحث العلمي، ومسؤوليتها هذه رهن بأنها من الطرق الموصلة إلى الحقيقة، كما جعلنا مسؤولين عن التسليم بما يخبرنا به عن طريق