وواجبنا لدى البحث عن الحقيقة أن نحرر تحريراً دقيقاً ما تأتينا به الوسائل الإنسانية من المعارف، وما يصلنا من أخبار الوحي.
* * *
أسباب ما يظهر فيه التناقض:
وكل مظهر للتناقض بين ما تشهد به الوسائل الإنسانية للمعرفة، وما تشهد به النصوص المنسوبة إلى الدين، لا يعدو أحد الاحتمالات التاليات:
الاحتمال الأول: أن يكون الذي نسب إلى العقل أو العلم بالوسائل الإنسانية لم يصل إلى مرحلة الحقيقة المقطوع بها.
كالنظريات التي لم تصل إلى مستوى القضية المقطوع بها جزماً، والتي ما زالت رهن البحث والنظر، أو التي لا سبيل إلى إثباتها بأدلة علمية يقينية، وإن اعتقدها العلماء الماديون لعدم وجود ما هو أقوى منها في نظرهم المادي البحت، ولأنه لا اختيار لهم بعد ذلك إلا التسليم بما جاء به الدين، وهم يرفضون نفسيّاً هذا الأخير.
* وكالفرضيات التي لم ترق بعدُ إلى مستوى النظرية العلمية، فضلاً عن أن تكون ضمن الحقائق العلمية.
الاحتمال الثاني: أن يكون الذي نسب إلى الدين من نص لم يصل إلى درجة القطع بثبوته، بل هو ضعيف لا يحتج به، أو ظني الثبوت لا يفيد مضموناً مقطوعاً به.
الاحتمال الثالث: أن يكون فهم النص الديني فهماً اجتهادياً ضعيفا، أو ظنياً يتطرق إليه الاحتمال، فهو غير مقطوع به، أو فهماً مجانباً للصواب أصلاً، ومردوداً بأدلة أخرى أقوى منه.
وفهم النص الديني إذا كان غير مدلولٍ عليه بصورة قطعية، وخالف حقيقة عقلية مقطوعاً بها، أو حقيقة علمية أثبتتها وسائل المعرفة الإنسانية بصورة قطعية، فإن النص الديني لا يتحمل وزر هذا الفهم الاجتهادي