وتكون الجماهير من الناس في حالة عناء، أو في حالة رغبةٍ ملحّة، وهذه الحالة تستدعي المطالبة الشديدة، أو السعي الحثيث لتحقيق الجانب المقبول المعقول، الذي يدل عليه اللفظ العام الفضفاض ضمن دلالته العامة.
وهنا تأتي لعبة المضللين، فيرددون اللفظ العام الفضفاض، ويتخذونه شعاراً براقاً، ويحاولون تثبيت أنظار الجماهير - وفيهم أهل الفكر والرأي والعلم - ضمن دلالة اللفظ التي تتناول الجانب المقبول المعقول. ويحاولون في الوقت نفسه صرف هذه الأنظار عن دلالته على مساحات أخرى غير مقبولة ولا معقولة، أو غير مُسَلَّم بها. ويبررون ذلك بالمصلحة الراهنة، وبأن الظروف الوقتية لا تسمح بمعالجته بفلسفة شاملة، ومنطقيّة دقيقة.
ويقبل أهل الفكر التعليل المطروح، والتبرير المزعوم، على أساس أن القضية هي من قبيل العلاج الوقتي، الذي يستدعي التغاضيَ وعدمَ التحقيق والتدقيق، للخلاص من المعاناة القائمة، أو لتحقيق الرغبة الملحّة.
وينطلق الشعار، وتردده الجماهير بدون تفكير، في المناسبات التي تستدعي ترديده وفي غيرها، ويمر الزمن، وتنصرف الأفكار الحصيفة عن محاكمة دلالته بمنطقيةٍ وبحث علميٍ، في كل المساحات الفكرية التي يتناولها.
وهنا يزحف المضللون زحفاً تعميمياً، فينتقلون من المساحة المقبولة المعقولة، إلى المساحات الأخرى شيئاً فشيئاً، بحسب تقبُّل الجماهير لهذا الزحف، وهَضْمِه وتحوَُلِه من فكر إلى سلوك.
ثمّ يُمْسِي الزحفُ التعميميّ مقبولاً بصفة عامة لدى الجماهير، وتستشري تطبيقاته في أنواع السلوك، ويغدو الشعار من المسلَّمات اللاتي لا يجوز أن تناقش، ومن المبادئ المقررة التي قبلها العلماء والمفكرون من قَبْلُ، ولم يعترضوا عليها.