responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 35
ونبدأ أولا بالنص القرآني فنجد فيه إشارة إلى المحكم والمتشابه. ويجمع المفسرون والعلماء على أن أصول العقيدة -وكذلك أحكام الشريعة- هي من المحكم الذي لا يدخل التشابه فيه, وأن الأمور المتشابهة -التي لم تحددها الآية، والتي اختلف المفسرون في تحديدها، والتي منها على سبيل المثال الصورة المفصلة لأحوال الجنة وأحوال النار، وصفة العرش وما إلى ذلك من الأمور- ليست من الأصول التي يكفر المختلفون في تأويلها، ثم إن الراسخين في العلم -وهم ليسوا فئة محددة كفئة رجال الكهنوت- لا يزعمون أن عندهم تأويلها، ولا أن تأويلها سر خاص بهم يحتجزونه عن الناس ثم يطالبونهم بالإيمان به بلا دليل. بل تنص الآية على أن الله وحده هو الذي يعلم تأويلها -أي: حقيقتها- لأنه -سبحانه- هو العليم الخبير الذي يعلم كل شيء على إطلاقه، إنما الراسخون في العلم يسلمون فقط بأن الآيات كلها -محكمها ومتشابهها- من عند الله، ويعلمون أن علم هذه المتشابهات هو عند الله وحده فيؤمنون بها على إطلاقها؛ لأنها منزلة من عند الله، ولكنهم لا يزعمون لأنفسهم خصوصية في التأويل، ولا يحتجزون لأنفسهم شيئا من العلم يحجبونه عن الناس.
وهذا أمر يختلف تمام الاختلاف عن موقف الكنيسة الأوروبية في قضايا العقيدة. فقد جعلت تلك الأسرار من أصول العقيدة، ثم زعمت أن عندها وحدها مفاتيحها.. ثم قالت للناس: لن نعطيكم المفتاح! ولكن عليكم أن تؤمنوا بها كما نقدمها لكم دون سؤال ولا نقاش! وإلا فأنتم زائغو العقيدة مهرطقون.. وعليكم اللعنة إلى يوم الدين!
إن الكنيسة هنا وضعت نفسها في موضع الإله، بل افترضت لنفسها على الناس ما لم يشأ الله سبحانه وتعالى أن يفترضه لنفسه على عباده رحمة بالناس! فالله -وحده- هو الذي يحق له أن يتعبد عباده بأمور ليس من الضروري أن يدركوا حكمتها، ليعلم -سبحانه- من يطيعه بالغيب. ولكنه -من رحمته- قد جعل ذلك في أمور التعبد وليس في أمور العقيدة التي جعلها الله سهلة وميسرة ومفتوحة بلا ألغاز ولا غموض، ليستوعبها كل قلب ويطمئن إليها كل قلب. أما الكنيسة فجعلت ذلك في أمور العقيدة، وجعلت لنفسها حقوقا أكثر مما افترض الله على العباد!

نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 35
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست