نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 36
ثم نعرج على الحديث الشريف فنجد أن فيه نصيحة للبشر أن يتعرفوا على الله سبحانه من خلال آياته الدالة على وحدانيته، والدالة على تفرده في كل شيء بلا شريك. وألا يحاولوا أن يتفكروا في ذات الله لكيلا يضلوا ولا يهلكوا.
هل هو حجر على العقل البشري أن يبحث وأن يناقش وأن يعرف؟
كلا! فالدعوة إلى التفكر واردة في أول الحديث. "تفكروا في آيات الله" إنما هو بيان للمنهج الصحيح للتفكير، ودعوة إلى صيانة العقل البشري أن تتبدد طاقته فيما لا طائل وراءه!
فماذا يملك العقل البشري أن يحيط به من ذات الله التي لا يحدها زمان ولا مكان ولا بدء ولا انتهاء؟
وإلى أي شيء وصل العقل البشري في أمر الذات الإلهية حين خالف النصيحة ومضى يخبط في الظلمات؟ إلى أي شيء وصلت الفلسفة في القديم أو الحديث، وإلى أي شيء وصل علم الكلام بعد المعاظلات الذهنية التي لا تؤدي إلى شيء إلا إجهاد الذهن بلا نتيجة؟!
إن العقل ليعجز عن إدراك "الكنه" حتى في أمور الكون المادي، فيكتفي بتسجيل الظواهر دون الدخول في الكنه، فكيف بالخالق الذي لا تحده الحدود؟
كلا! إنها الصيانة وليست الحجر.. ومن خالف النصيحة فليضرب في التيه!
أما العقيدة فمن ذا الذي حَرَّج على العقل أن يدلي فيها بدلوه ويكون فيها له نصيب؟
فأما الإسلام فقد دعا العقل دعوة صريحة إلى التفكر والتدبر ليصل في أمر العقيدة إلى اليقين.. بل نعى على الذين يرفضون التفكير، اتباعا للهوى، أو اتباعا لما ورثوه من عقائد الآباء والأجداد، أو إغلاقا للحس والبصيرة، عن التأمل والتفكير:
{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [1].
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ [1] سورة الروم: 29.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 36