نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 397
والأخلاق، سواء في الطعام أو الشراب والملبس والمسكن والجنس، أو في السياسة، أو في الاقتصاد، أو في الفكر, أو في الفن.. إلخ، هي "القيم العليا" التي يتقيد بها "الإنسان" في تصرفاته، والتي يسعى لإقامة الحياة البشرية على أساسها، والتي يكون إنسانا بقدر ما يحرص على أدائها وإقامتها، ويفقد من إنسانيته بقدر ما ينفلت منها ويتهاون فيها.
وعلى هذا النحو تكون "إنسانية" الإنسان وتكون كذلك "كرامته" فالتكريم الرباني للإنسان لم يكن عبثا.
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [1].
إنما يشمل التكريم والتفضيل -فيما يشمل- هذا العنصر الأخلاقي الذي تقوم عليه حياة الإنسان، وتقوم به أعماله كذلك، لتفترق عن حياة الحيوان، وتفترق من باب أولى عن تصرفات المادة التي لا وعي لها ولا إرادة ولا إدراك، إنما تتصرف بالقهر الكامل المفروض عليها من إرادة الخالق, الذي أنشأها وأجرى أمورها على النحو الذي تجري عليه، لا تملك فكاكا منه ولا تعديلا عليه، وشتان بين ذلك وبين الوضع الكريم الذي وضع الخالق فيه الإنسان، إذ أعطاه القدرة على التمييز والاختيار, وجعله مقابل ذلك مسئولا عن تصرفاته بمقتضى تلك "الأمانة" التي حملها، بينما أشفقت "المادة" من حملها:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ... } [2].
وتختلف أحوال البشر اختلافا جذريا بحسب الطريق الذي يختارونه لأنفسهم, ولا يقتصر الاختلاف على مصير الإنسان يوم القيامة إما إلى الجنة وإما إلى النار، بل يختلف الأمر في الحياة الدنيا كذلك.
أول اختلاف أنهم إذا اختاروا طريق الله، طريق الخير، فعبدوا الله وحده بلا شريك، وساروا في حياتهم بمقتضى المنهج الرباني فقد نجوا بادئ ذي بدئ من عبودية بعضهم لبعض، وتحققت لهم العزة والكرامة والمساواة التي لا تتحقق أبدا إلا حين ينزع من البشر حق التشريع ويصبحون كلهم عبيدا لله على [1] سورة الإسراء: 70. [2] سورة الأحزاب: 72.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 397