responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 401
منشؤه تلك الرغبة الفطرية التي أودعها الله قلب الإنسان، التي تدفعه إلى التعرف على خواص المادة وخواص الكائنات الحية من حوله، ومحاولة استخدام هذه المعرفة في التحسين المستمر لأحواله المعيشية, وهي رغبة كما قلنا لا تتعلق بالهدى ولا بالضلال، ومن ثم فجعلها هي المقياس لتقدم الإنسان يؤدي إلى نتائج باطلة.
فقد يحدث -كما حدث في وقت نشأة الأمة الإسلامية- أن يكون الحاملون للهدي الرباني، المتبعون لمنهج الله, متأخرين في مبدأ أمرهم من الناحية العلمية والتكنولوجية، قليلي الحفظ من العمارة المادية للأرض، ويكونون مع ذلك في أعلى درجات الرفعة الإنسانية، كما كان جيل الصحابة رضوان الله عليهم، الذين قال فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم ... " [1] فلا يمنعهم هذا التأخر المؤقت في ميدان العلم النظري والتطبيقي أن يكونوا أروع نماذج للبشرية في أوج ارتفاعها، ولكنهم -بحكم الانطلاقة الهائلة التي تحدثها النشأة الجديدة في كيانهم- لا بد أن يتجهوا بعد فترة من الزمن إلى العمارة المادية وتظهر إنجازاتهم فيها كما حدث للمسلمين في العهد الأموي والعباسي.
بينما يحدث كثيرا أن يكون قوم في قمة العمارة المادية للأرض ولكنهم فارغون من القيم العليا، فتزداد حياتهم خللا وانحدارا كلما أوغلوا في العمارة المادية، كما هو حادث في الجاهلية المعاصرة.
ومن ثم لا يصلح التقدم المادي -وحده- معيارا من معايير التاريخ.
حقيقة إنه جزء من مهمة "الخلافة" التي خلق الله الإنسان ليقوم بها في الأرض، بحيث يكون الإنسان المتقاعس في هذا الجانب -مع القدرة عليه- مقصرا في أداء جزء من مهمته، ولكن العبرة ليست في مجرد أداء هذه المهمة، إنما في الطريقة التي تؤدى بها: هل هي متفقة مع المنهج الرباني، أي: متقيدة بالحلال والحرام، ونظافة المشاعر ونظافة السلوك، والأمانة والعدل، وسائر القيم العليا التي تكون الجوهر الحقيقي لإنسانية الإنسان، أم غير متفقة مع ذلك المنهج، أي: غير متقيدة بالحلال والحرام والنظافة الحسية والمعنوية والأمانة والعدل ... أي: غير محققة لإنسانية الإنسان.

[1] رواه مسلم.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 401
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست