responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 403
الاتجاهات، وتكون كلها -في المعتاد- متناسقة بعضها مع بعض، إلا أن يكون هناك اختلال في الشخصية -شخصية الجماعة- فيكون بعض نشاطها من منبع معين وبعضه من منبع مخالف، كما هو حاضر "المسلمين" اليوم في كل الأرض، يعيشون بعض جوانب حياتهم على تراثهم الذي "ورثوه" وبعض جوانبها الأخرى من الجاهلية المعاصرة، في القيم والأفكار والمشاعر وأنماط السلوك ... وهو وضع شاذ في حياة المسلمين وفي حياة البشرية كذلك.
وتختلف صورة الكيان الاقتصادي باختلاف مدى التقدم العلمي والمادي للجماعة البشرية، فينتقل من اقتصاد رعوي إلى زراعي إلى صناعي ... إلخ.. ولكن العبرة لا تكون بمقدار التغير في "الصورة" إنما العبرة "بالموقف" الذي تنبثق منه الصور جميعا وتجسده.. وهو لا يخرج من أحد موقفين: إما موقف إيماني قائم على المنهج الرباني، وإما موقف جاهلي مجاف للمنهج الرباني، أي: إن العبرة ليست بكون المجتمع رعويا أم زراعيا أم صناعيا، إنما العبرة في كونه رعويا مؤمنا، أم رعويا جاهليا، وزراعيا مؤمنا أم زراعيا جاهليا، وصناعيا مؤمنا أم صناعيا جاهليا.. وهذا هو الذي يحدد مركزه في التاريخ الأرضي، فضلا عن مركز أفراده في اليوم الآخر[1].
وعلى ذلك فإن القيم في المنهج الرباني لا تتغير مع تغير الصورة. فيظل المجتمع المسلم -في جميع أطواره الاقتصادية- عابدا لله، بمعنى الاعتقاد الصحيح في الله، وأداء الشعائر التعبدية لله، وتحكيم شريعة الله. ويظل متمسكا بأخلاقيات لا إله إلا الله سواء في علاقات الجنس، أو علاقات المال، أو علاقات الولاء والسلم والحرب ... إلخ، أي: ملتزما بالحلال والحرام وبسائر ما أنزل الله.
أما في "الموقف" الآخر غير الإيماني فلا معيار لشيء؛ لأن القيم ذاتها غير قائمة على أساس واضح ... ولهذا يعبث بها من أراد أن يعبث كما عبث اليهود بكل القيم في المجتمع الغربي مع الثورة الصناعية وزعموا أن عبثهم ذلك حتمية وقانون!

[1] في اليوم الآخر يحمل كل إنسان مسئوليته الخاصة: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [سورة النجم: 38-41] {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا، وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [سورة مريم: 94, 95] {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [سورة الانفطار: 19] ولكن مسئولية كل إنسان الاجتماعية داخلة في مسئوليته الخاصة التي يحاسب عنها يوم القيامة: هل سعى إلى إقامة المنهج الرباني وأمر بالمعروف وجاهد المنكر بيده أو بلسانه أو بقلبه أم نكل عن ذلك جميعا ...
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 403
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست