نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 68
وينبغي أن نلاحظ هنا أن الكاتب الذي ينفطر قلبه أسى على ضحايا محاكم التفتيش من المسيحيين لا يذكر كلمة واحدة عن الفظائع البشعة التي ارتكبتها محاكم التفتيش في الأندلس وهي تطارد المسلمين لتطرد الإسلام نهائيا من أسبانيا. وقد كانت تلك الفظائع أفظع ما عرفه التاريخ كله من ألوان الوحشية البربرية، التي تعد أعمال محاكم التفتيش في أوروبا المسيحية -على شناعتها- هينة لينة بالنسبة إليها، وبالنسبة لأدوات التعذيب الخاصة التي استخدمت فيها، في الوقت الذي كانت أوروبا تعلم أنها مدينة للأندلس الإسلامية بكل ما كان في حوزتها يومئذ من علم يعتد به، بل مدينة بنهضتها كلها إلى القيم والمبادئ الحضارية التي تعلمتها من هناك.
ونعود بعد هذه الملاحظة إلى ويلز، ليشرح لنا العوامل التي حدت بالكنيسة إلى اتخاذ العنف ضد أعدائها:
"فأصبح قساوستها وأساقفتها على التدريج رجالًا مكيفين وفق مذاهب اعتقاديات حتمية واجراءات مقررة وثابتة.. ولم تعد لهم بعد رغبة في رؤية مملكة الرب موطدة في قلوب الناس. فقد نسوا ذلك الأمر، وأصبحوا يرغبون في رؤية قوة الكنيسة التي هي قوتهم هم، متسلطة على شئون البشر. ونظرًا لأن كثيرًا منهم كانوا على الأرجح يسرون الريبة في سلامة بنيان مبادئهم الضخم المحكم وصحته المطلقة لم يسمحوا بأية مناقشة فيه. كانوا لا يحتملون أسئلة ولا يتسامحون في مخالفة، لا لأنهم على ثقة من عقيدتهم، بل لأنهم كانوا غير واثقين فيها..
"وقد تجلى في الكنيسة عندما وافى القرن الثالث عشر ما يساورها من قلق قاتل حول الشكوك الشديدة التي تنخر بناء مدعياتها بأكمله، وقد تجعله أثرًا بعد عين. فلم تكن تستشعر أي اطمئنان نفسي. وكانت تتصيد الهراطقة في كل مكان، كما تبحث العجائز الخائفات -فيما يقال- عن اللصوص تحت الأسرة وفي الدواليب قبل الهجوع في فراشهن"[1].
بهذا الهزال المتفشي في كيانها، والقلق المستسر في أعماقها من بدء يقظة العقل بعد طول سبات راحت تكيل الضربات المجنونة لكل من يسألها ويناقشها، أو من يخيل إليها أنه سيسألها ويناقشها، لتحاول أن تدفع عن [1] المصدر السابق "ص902, 903".
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 68