نام کتاب : موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية نویسنده : المسيري، عبد الوهاب جلد : 1 صفحه : 202
ولكن، ورغم الاستقطاب الشديد، فإن ثمة نقط تشابه بين الذاتية والموضوعية، فكلاهما يدور في إطار الحلولية الكمونية التي تفترض وجود مركز الكون داخله (الذات أو الموضوع) ، ومن ثم فإن كليهما واحدي يُلغي المسافة وإمكانية التجاوز. وتؤكد الموضوعية (المادية) أن الأشياء المحسوسة مادية ولها وجود موضوعي. ولكن هل العلاقة بين هذه الأشياء المحسوسة علاقة مادية وموضوعية تماماً أم أن رصدها يتطلب إجراء عمليات عقلية (ذاتية) تختلف من شخص لآخر؟ وجوهر الموضوعية هو الاستقراء، أي التعميم من عدد من الحالات الموضوعية، ولكن يمكننا أن نسأل: كيف يَحق للإنسان أن ينتقل من عدد من الظواهر الفردية إلى كل الظواهر التي تندرج تحت هذا النوع في الماضي (الذي لم يرصده الإنسان) والحاضر (الذي رصد بعض حالاته) والمستقبل (المجهول تماماً) ؟ ألا يشكل هذا الانتقال شكلاً من أشكال الإيمان بالثبات؟ وإذا كانت الحواس الفردية للإنسان مصدر المعرفة، فهل هي مصدر يمكن الاعتماد عليه؟ كل هذا يُبيِّن أن الحديث عن معارف كلية يقينية (نتوصل إليها من خلال عمليات الربط والتعميم) أمر يتنافى مع الموضوعية، وأن أي حديث عن معرفة نتوصل إليها من خلال الحواس يفتقد إلى المصداقية، ولذا تنحل الموضوعية في اتساقها مع نفسها وتسقط في ذاتية كاملة إذ أن كل واحد فينا (حسب الرؤية الموضوعية المادية نفسها) حبيس حواسه وحبيس التفاصيل التي يرصدها.
نام کتاب : موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية نویسنده : المسيري، عبد الوهاب جلد : 1 صفحه : 202