responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 186
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وحجهم قد أدوا ما عليهم تجاه مجتمعهم وبلدهم. غير أن الحقيقة ليست كذلك، وما هم في ميزان الجماعة إلا كنقط مضيئة يعلوها غبار يحول بينها وبين التوهج والإشعاع.
إن المجتمع المسلم ليس بحاجة إلى عابد غافل، ولا إلى ساجد عاكف، ولا إلى زاهد جامد لا يراوح مكانه، بل هو في أمس الحاجة إلى عابد متنبه ومتيقظ، وإلى ساجد مرتفع الهامة ومنتصب القامة، وإلى زاهد يمسك بتلابيب الحياة لبلوغ مرمى الآخرة. وقد يتساءل البعض ما فائدة عبادة هؤلاء إن لم تكن تنفع المجتمع وتفيد الأمة كلها؟، وما جدوى علم لا يبدد دياجير الظلام السائد في كثير من الأمكنة في مجتمعاتنا المسلمة؟. فعجز الصالح الثقة على التفاعل مع محيطه القريب قبل البعيد، والمساهمة في إصلاح عيوب المجتمع أفرادا وجماعات ومؤسسات، يجعله يستقر في المؤخرة، ويرضى بالسلبية منهجا، فارا من مواجهة المشاكل وتحدي العراقيل، مفضلا السلامة والدعة والعيش في هناء، قد يلهيه كسب قوت يومه، وقد يغرق في التفاصيل المملة لواقعه، أو خائفا على منصبه، يتبع سير السفهاء ويرنو إلى عيش الغوغاء .. وإن سألتَه عن حاجة المجتمع لصلاحه وإصلاحه، بسط أمامك ألف عذر وعذر ليقنعك أنه مفيد في حالة سكونه وتقوقعه أكثر من انطلاقه وحركيته في ظل واقع موبوء لا يشي بالخير ..
والصواب أن الفرد الثقة الصالح ينبغي أن يكون صالحا لنفسه ومُصلِحا لمن حوله، وثقته تقاس أساسا بمدى عطائه الفردي والجماعي، وحجم تأثيره الإيجابي في محيطه
مثال عجز الثقة
ولعل من أبرز الأمثلة التي تبرز عجز كثير من أهل الصلاح والثقة أنهم إذا تولوا مناصب أو مراكز وأنيطت بهم المسؤوليات، وكان المرجو منهم خدمة مجتمعاتهم وعقيدتهم، كانوا أقرب إلى التردد في اتخاذ القرارات الحاسمة منهم إلى القيادة القوية، ربما حتى لا يقال عنهم أنهم انحازوا لمبادئهم وعقيدتهم، أو اتهِموا بتهم تشكك في سلامة نواياهم، كما حدث ويحدث لكثير من أبناء الصحوة الإسلامية اليوم، حيث تُكال التهم لهم بدون وازع تحت دواعي ومزاعم واهية محبوكة بكثير من الخبث واللؤم العالميين. وفي المقابل، يجتهد أهل الباطل والفجور في استغلال مناصبهم ومسؤولياتهم ومنابرهم لبث أفكارهم والدفع بمشاريعهم الهدامة إلى الأمام، غير آبهين بالأصوات المنتقدة أو الأيادي النظيفة التي تدعوهم إلى التعقل وتحاول محاربتهم بالتي هي أحسن.
المطلوب من الثقة
و المطلوب من الثقة أن يكون نافعا لنفسه، نافعا لغيره أيضا.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تُطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَلْبَهُ أَمْنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ، أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ. المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 83) برقم (13468) وهو حسن لغيره
ففي هذا الحديث الجامع، يبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس. والنفع لا يكون فقط ماديا، بل يشمل النفع بالنصيحة والنفع بالمشورة والتوجيه إلى الخير، فالدال على الخير كفاعله، وغير هذه الأبواب كثير .. فكل من ينفع الآخر فهو داخل ـ إن شاء الله تعالى ـ في الذين يحبهم الله تعالى: ''أحب الناس إلى الله أنفعهم''.
ولعل المثال الساطع الذي يوضح بجلاء المهام التي ينبغي أن يضطلع بها الثقة الصادق والصالح هو ما حواه جواب الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - حين أتاه صحابي يسأله: "يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ ". فكان رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بليغا يختزل المضمون العميق لما يجب أن يكون عليه المسلم الثقة الصالح من قوة ونفع للناس عوض التقوقع والتشكي من سوء أحوال البلاد والعباد .. أجابه الرسول الكريم بالقول: "انْظُرْ مَا يُؤْذِي النَّاسَ فَاعْزِلْهُ عَنْ طَرِيقِهِمْ " (حديث حسن). ولعل الأذى الذي يقصده المصطفى يعم أذى الطريق من أزبال وحجارة وشوك، ويتعداه إلى إماطة الأذى الأكبر من طريق المسلمين، والمتمثل في التحديات الخطيرة التي تقف أمام نمو المجتمع المسلم، من مشاكل اقتصادية وتنموية وتواصلية وسياسية أيضا، مثل معضلة البطالة والفقر والأمية .. الخ. و أحب الأعمال إلى الله كثيرة، تبتدئ بإدخال السرور على قلب المسلم بأن تزوره في مرضه وعافيته، وشدته ورخائه، وبالسؤال عنه ومعرفة ما يفرحه وما يترحه، كيف يعيش، وهل يحتاج إلى مساعدة أو عليه دين حتى تبادر إلى مد يد العون له، أو على الأقل تذليل =
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 186
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست