responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 214
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَالْمَنْفَعَة الَّتِي تَجُرّ إِلَى الرِّبَا فِي الْقَرْض، هِيَ الَّتِي تَخُصّ الْمُقْرِض كَسُكْنَى دَار الْمُقْتَرِض وَرُكُوب دَوَابّه، وَاسْتِعْمَاله، وَقَبُول هَدِيَّته. فَإِنَّهُ لَا مَصْلَحَة لَهُ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسَائِل فَإِنَّ الْمَنْفَعَة مُشْتَرِكَة بَيْنهمَا، وَهُمَا مُتَعَاوِنَانِ عَلَيْهَا، فَهِيَ مِنْ جِنْس التَّعَاوُن وَالْمُشَارَكَة. وَأَمَّا نَهْيه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ رِبْح مَا لَمْ يُضْمَنْ. فَهُوَ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عُمَر حَيْثُ قَالَ لَهُ " إِنِّي أَبِيع الْإِبِل بِالْبَقِيعِ بِالدَّرَاهِمِ، وَآخُذ الدَّنَانِير، وَأَبِيع بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذ الدَّرَاهِم. فَقَالَ: لَا بَأْس إِذَا أَخَذْتهَا بِسِعْرِ يَوْمهَا وَتَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْء ".
فَجَوَّزَ ذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ.
أَحَدهمَا: أَنْ يَأْخُذ بِسِعْرِ يَوْم الصَّرْف، لِئَلَّا يَرْبَح فِيهَا وَلِيَسْتَقِرَّ ضَمَانه.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَتَفَرَّقَا إِلَّا عَنْ تَقَابُض، لِأَنَّهُ شَرْط فِي صِحَّة الصَّرْف لِئَلَّا يَدْخُلهُ رِبَا النَّسِيئَة.
وَالنَّهْي عَنْ رِبْح مَا لَمْ يُضْمَن قَدْ أَشْكَلَ عَلَى بَعْض الْفُقَهَاء عِلَّته وَهُوَ مِنْ مَحَاسِن الشَّرِيعَة. فَإِنَّهُ لَمْ يَتِمّ عَلَيْهِ اِسْتِيلَاء، وَلَمْ تَنْقَطِع عُلَق الْبَائِع عَنْهُ فَهُوَ يَطْمَع فِي الْفَسْخ وَالِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض إِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فِيهِ، وَإِنْ أَقْبَضَهُ إِيَّاهُ فَإِنَّمَا يُقْبِضهُ عَلَى إِغْمَاض وَتَأَسُّف عَلَى فَوْت الرِّبْح فَنَفْسه مُتَعَلِّقَة بِهِ لَمْ يَنْقَطِع طَمَعهَا مِنْهُ.
وَهَذَا مَعْلُوم بِالْمُشَاهَدَةِ. فَمِنْ كَمَالِ الشَّرِيعَة وَمَحَاسِنهَا النَّهْي عَنْ الرِّبْح فِيهِ حَتَّى يَسْتَقِرّ عَلَيْهِ وَيَكُون مِنْ ضَمَانه، فَيَيْأَس الْبَائِع مِنْ الْفَسْخ، وَتَنْقَطِع عُلَقه عَنْهُ.
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى ذَلِكَ فِي الِاعْتِيَاض عَنْ دَيْن الْقَرْض وَغَيْره: أَنَّهُ إِنَّمَا يُعْتَاض عَنْهُ بِسِعْرِ يَوْمه لِئَلَّا يَرْبَح فِيمَا لَمْ يُضْمَنْ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يَنْتَقِض عَلَيْكُمْ بِمَسْأَلَتَيْنِ.
إِحْدَاهُمَا: بَيْع الثِّمَار بَعْد بُدُوّ صَلَاحهَا، فَإِنَّكُمْ تُجَوِّزُونَ لِمُشْتَرِيهَا أَنْ يَبِيعهَا عَلَى رُءُوس الْأَشْجَار وَأَنْ يَرْبَح فِيهَا وَلَوْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ لَكَانَتْ مِنْ ضَمَانَة الْبَائِع، فَيَلْزَمكُمْ أَحَد أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَمْنَعُوا بَيْعهَا. وَإِمَّا أَنْ لَا تَقُولُوا بِوَضْعِ الْجَوَائِح. كَمَا يَقُول الشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة. بَلْ تَكُون مِنْ ضَمَانه فَكَيْفَ تَجْمَعُونَ بَيْن هَذَا وَهَذَا؟
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة: أَنَّكُمْ تُجَوِّزُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّر الْعَيْن الْمُسْتَأْجَرَة بِمِثْلِ الْأُجْرَة وَزِيَادَة، مَعَ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ لَكَانَتْ مِنْ ضَمَان الْمُؤَجِّر، فَهَذَا رِبْح مَا لَمْ يُضْمَنْ.
قِيلَ: النَّقْض الْوَارِد إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَسْأَلَةٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهَا، أَوْ مُجْمَع عَلَى حُكْمهَا. وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ غَيْر مَنْصُوص عَلَيْهِمَا وَلَا مُجْمَع عَلَى حُكْمهمَا فَلَا يَرُدَّانِ نَقْضًا. فَإِنَّ فِي جَوَاز بَيْع الْمُشْتَرِي مَا اِشْتَرَاهُ مِنْ الثِّمَار عَلَى الْأَشْجَار كَذَلِكَ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أَحْمَد. فَإِنْ مَنَعْنَا الْبَيْع بَطَلَ النَّقْض وَإِنْ جَوَّزْنَا الْبَيْع - وَهُوَ الصَّحِيح - فَلِأَنَّ الْحَاجَة تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ. فَإِنَّ الثِّمَار قَدْ لَا يُمْكِن بَيْعهَا إِلَّا كَذَلِكَ، فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْ بَيْعهَا أَضْرَرْنَا بِهِ، وَلَوْ جَعَلْنَاهَا مِنْ ضَمَانه إِذَا تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ أَضْرَرْنَا بِهَا أَيْضًا، فَجَوَّزْنَا لَهُ بَيْعهَا، لِأَنَّهَا فِي حُكْم الْمَقْبُوض بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنه وَبَيْنهَا، وَجَعَلْنَاهَا مِنْ ضَمَان الْبَائِع بِالْجَائِحَةِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حُكْم الْمَقْبُوض مِنْ جَمِيع الْوُجُوه، وَلِهَذَا يَجِب عَلَيْهِ تَمَام التَّسْلِيم بِالْوَجْهِ الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَتْ مَقْبُوضَة مِنْ وَجْه غَيْر مَقْبُوضَة مِنْ وَجْه رَتَّبْنَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُقْتَضَاهُمَا وَهَذَا مِنْ أَلْطَف الْفِقْه.
وَأَمَّا مَسْأَلَة الْإِجَارَة: فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَحْمَد فِي جَوَاز إِجَارَة الرَّجُل مَا اِسْتَأْجَرَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَلَاث رِوَايَات:
إِحْدَاهُنَّ: الْمَنْع مُطْلَقًا، لِئَلَّا يَرْبَح فِيمَا لَمْ يَضْمَن وَعَلَى هَذَا فَالنَّقْض مُنْدَفِع.
وَالثَّانِيَة: أَنَّهُ إِنْ جَدَّدَ فِيهَا عِمَارَة جَازَتْ الزِّيَادَة، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الزِّيَادَة لَا تَكُون رِبْحًا بَلْ هِيَ فِي مُقَابَلَة مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْعِمَارَة. وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة أَيْضًا فَالنَّقْض مُنْدَفِع.
وَالثَّالِثَة: أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُؤَجِّرهَا بِأَكْثَر مِمَّا اِسْتَأْجَرَهَا مُطْلَقًا، وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَهَذِهِ الرِّوَايَة أَصَحّ. فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِر لَوْ عَطَّلَ الْمَكَان وَأَتْلَفَ مَنَافِعه بَعْد قَبْضه لَتَلِفَ مِنْ ضَمَانه، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ الْقَبْض التَّامّ. وَلَكِنْ لَوْ اِنْهَدَمَتْ الدَّار لَتَلِفَتْ مِنْ مَال الْمُؤَجِّر لِزَوَالِ مَحَلّ الْمَنْفَعَة فَالْمَنَافِع مَقْبُوضَة. وَلِهَذَا لَهُ اِسْتِثْنَاؤُهَا بِنَفْسِهِ وَبِنَظِيرِهِ، وَإِيجَارهَا وَالتَّبَرُّع بِهَا، وَلَكِنَّ كَوْنهَا مَقْبُوضَة مَشْرُوط بِبَقَاءِ الْعَيْن. فَإِذَا تَلِفَتْ الْعَيْن زَالَ مَحَلّ الِاسْتِيفَاء، فَكَانَتْ مِنْ ضَمَان الْمُؤَجِّر.
وَسِرّ الْمَسْأَلَة: أَنَّهُ لَمْ يَرْبَح فِيمَا لَمْ يَضْمَن وَإِنَّمَا هُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ بِالْأُجْرَةِ.
وَأَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وسلم - " وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدك " فَمُطَابِق لِنَهْيِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ بَيْع الْغَرَر لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْده فَلَيْسَ هُوَ عَلَى ثِقَة مِنْ حُصُوله بَلْ قَدْ يَحْصُل لَهُ وَقَدْ لَا يَحْصُل، فَيَكُون غَرَرًا، كَبَيْعِ الْآبِق وَالشَّارِد وَالطَّيْر فِي الْهَوَاء، وَمَا تَحْمِل نَاقَته وَنَحْوه. قَالَ حَكِيم بْن حِزَام " يَا رَسُول اللَّه، الرَّجُل يَأْتِينِي يَسْأَلنِي الْبَيْع لَيْسَ عِنْدِي فَأَبِيعهُ مِنْهُ، ثُمَّ أَمْضِي إِلَى السُّوق، فَأَشْتَرِيه وَأُسْلِمهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ:" لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدك ".
وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَة أَنَّ السَّلَم مَخْصُوص مِنْ عُمُوم هَذَا الْحَدِيث فَإِنَّهُ بَيْع مَا لَيْسَ عِنْده. وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوهُ. فَإِنَّ الْحَدِيث إِنَّمَا تَنَاوَلَ بَيْع الْأَعْيَان، وَأَمَّا السَّلَم فَعَقْد عَلَى مَا فِي الذِّمَّة، بَلْ شَرْطه أَنْ يَكُون فِي الذِّمَّة فَلَوْ أَسْلَمَ فِي مُعَيَّن عِنْده كَانَ فَاسِدًا وَمَا فِي الذِّمَّة مَضْمُون مُسْتَقِرّ فِيهَا. وَبَيْع مَا لَيْسَ عِنْده إِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِكَوْنِهِ غَيْر مَضْمُون عَلَيْهِ، وَلَا ثَابِت فِي ذِمَّته، وَلَا فِي يَده. فَالْمَبِيع لَا بُدّ أَنْ يَكُون ثَابِتًا فِي ذِمَّة الْمُشْتَرِي أَوْ فِي يَده. وَبَيْع مَا لَيْسَ عِنْده لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَالْحَدِيث بَاقٍ عَلَى عُمُومه.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تُجَوِّزُونَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَبِيع الْمَغْصُوب لِمَنْ يَقْدِر عَلَى اِنْتِزَاعه مِنْ غَاصِبِيهِ وَهُوَ بَيْع مَا لَيْسَ عِنْده؟ قِيلَ: لَمَّا كَانَ الْبَائِع قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمه بِالْبَيْعِ، وَالْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمه مِنْ الْغَاصِب، فَكَأَنَّهُ قَدْ بَاعَهُ مَا هُوَ عِنْده، وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَالًا وَهُوَ عِنْد الْمُشْتَرِي وَتَحْت يَده، وَلَيْسَ عِنْد الْبَائِع. وَالْعِنْدِيَّة هُنَا لَيْسَتْ عِنْدِيَّة الْحِسّ وَالْمُشَاهَدَة، فَإِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَبِيعهُ مَا لَيْسَ تَحْت يَده وَمُشَاهَدَته، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدِيَّة الْحُكْم وَالتَّمْكِين. وَهَذَا وَاضِح وَلِلَّهِ الْحَمْد.
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 214
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست