responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 217
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَقَوْله فِي الْحَدِيث الْمُتَقَدِّم " مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة فَلَهُ أَوْكَسهمَا أَوْ الرِّبَا " هُوَ مُنَزَّل عَلَى الْعِينَة بِعَيْنِهَا، قَالَهُ شَيْخنَا، لِأَنَّهُ بَيْعَانِ فِي بَيْع وَاحِد، فَأَوْكَسهمَا: الثَّمَن الْحَالّ وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمُؤَجَّل - أَخَذَ بِالرِّبَا. فَالْمَعْنَيَانِ لَا يَنْفَكَّانِ مِنْ أَحَد الْأَمْرَيْنِ إِمَّا الْأَخْذ بِأَوْكَس الثَّمَنَيْنِ، أَوْ الرِّبَا، وَهَذَا لَا يَتَنَزَّل إِلَّا عَلَى الْعِينَة.
فَصْل
قَالَ الْمُحَرِّمُونَ لِلْعِينَةِ: الدَّلِيل عَلَى تَحْرِيمهَا مِنْ وُجُوه.
أَحَدهَا: أَنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ الرِّبَا وَالْعِينَة وَسِيلَة إِلَى الرِّبَا، بَلْ هِيَ مِنْ أَقْرَب وَسَائِله وَالْوَسِيلَة إِلَى الْحَرَام حَرَام، فَهُنَا مَقَامَانِ.
أَحَدهمَا: بَيَان كَوْنهَا وَسِيلَة.
وَالثَّانِي: بَيَان أَنَّ الْوَسِيلَة إِلَى الْحَرَام حَرَام.
فَأَمَّا الْأَوَّل: فَيَشْهَد لَهُ بِهِ النَّقْل وَالْعُرْف وَالنِّيَّة وَالْقَصْد، وَحَال الْمُتَعَاقِدَيْنِ.
فَأَمَّا النَّقْل: فَبِمَا ثَبَتَ عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُل بَاعَ مِنْ رَجُل حَرِيرَة بِمِائَةٍ، ثُمَّ اِشْتَرَاهَا بِخَمْسِينَ؟ فَقَالَ: دَرَاهِم بِدَرَاهِم مُتَفَاضِلَة، دَخَلَتْ بَيْنهَا حَرِيرَة ".
وَفِي كِتَاب مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْحَافِظ الْمَعْرُوف بِمَعِينٍ، عَنْ اِبْن عَبَّاس: أَنَّهُ قَالَ " اِتَّقُوا هَذِهِ الْعِينَة، لَا تَبِيعُوا دَرَاهِم بِدَرَاهِم بَيْنهمَا حَرِيرَة ".
وَفِي كِتَاب أَبِي مُحَمَّد النَّجَشِيّ الْحَافِظ عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعِينَة يَعْنِي بَيْع الْحَرِيرَة؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّه لَا يُخْدَع، هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله ".
وَفِي كِتَاب الْحَافِظ مَعِين عَنْ أَنَس " أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعِينَة - يَعْنِي بَيْع الْحَرِيرَة - فَقَالَ: إِنَّ اللَّه لَا يُخْدَع، هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله ".
وَقَوْل الصَّحَابِيّ " حَرَّمَ رَسُول اللَّه كَذَا، أَوْ أَمَرَ بِكَذَا، وَقَضَى بِكَذَا، وَأَوْجَبَ كَذَا " فِي حُكْم الْمَرْفُوع اِتِّفَاقًا عِنْد أَهْل الْعِلْم، إِلَّا خِلَافًا شَاذًّا لَا يُعْتَدّ بِهِ، وَلَا يُؤْبَه لَهُ.
وَشُبْهَة الْمُخَالِف: أَنَّهُ لَعَلَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى، فَظَنَّ مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ، وَلَا تَحْرِيم كَذَلِكَ، وَهَذَا فَاسِد جِدًّا.
فَإِنَّ الصَّحَابَة أَعْلَم بِمَعَانِي النُّصُوص، وَقَدْ تَلَقَّوْهَا مِنْ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليع وَسَلَّمَ، فَلَا يُظَنّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُقْدِم عَلَى قَوْله " أَمَرَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -،أَوْ حَرَّمَ أَوْ فَرَضَ " إِلَّا بَعْد سَمَاع ذَلِكَ، وَدَلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ، وَاحْتِمَال خِلَاف هَذَا كَاحْتِمَالِ الْغَلَط وَالسَّهْو فِي الرِّوَايَة بَلْ دُونه فَإِنْ رُدَّ قَوْله " أَمَرَ " وَنَحْوه بِهَذَا الِاحْتِمَال وَجَبَ رَدّ رِوَايَته لِاحْتِمَالِ السَّهْو وَالْغَلَط وَإِنْ قُبِلَتْ رِوَايَته: وَجَبَ قَبُول الْآخَر. وَأَمَّا شَهَادَة الْعُرْف بِذَلِكَ: فَأَظْهَر مِنْ أَنْ تَحْتَاج إِلَى تَقْرِير، بَلْ قَدْ عَلِمَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَعِبَاده مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ ذَلِكَ: قَصْدهمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَعْقِدَا عَلَى السِّلْعَة عَقْدًا يَقْصِدَانِ بِهِ تَمَلُّكهَا وَلَا غَرَض لَهُمَا فِيهَا بِحَالٍ. وَإِنَّمَا الْغَرَض وَالْمَقْصُود بِالْقَصْدِ الْأَوَّل: مِائَة بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَإِدْخَال تَلِك السِّلْعَة فِي الْوَسَط تَلْبِيس وَعَبَث، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْف الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ فِي نَفْسه، بَلْ جِيءَ بِهِ لِمَعْنًى فِي غَيْره، حَتَّى لَوْ كَانَتْ تِلْكَ السِّلْعَة تُسَاوِي أَضْعَاف ذَلِكَ الثَّمَن أَوْ تُسَاوِي أَقَلّ جُزْء مِنْ أَجْزَائِهِ لَمْ يُبَالُوا بِجَعْلِهَا مَوْرِدًا لِلْعَقْدِ، لِأَنَّهُمْ لَا غَرَض لَهُمْ فِيهَا وَأَهْل الْعُرْف لَا يُكَابِرُونَ أَنْفُسهمْ فِي هَذَا.
وَأَمَّا النِّيَّة وَالْقَصْد: فَالْأَجْنَبِيّ الْمُشَاهِد لَهُمَا يَقْطَع بِأَنَّهُ لَا غَرَض لَهُمَا فِي السِّلْعَة وَإِنَّمَا الْقَصْد الْأَوَّل مِائَة بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَضْلًا عَنْ عِلْم الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَنِيَّتهمَا، وَلِهَذَا يَتَوَاطَأ كَثِير مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَبْل الْعَقْد، ثُمَّ يَحْضُرَانِ تَلِك السِّلْعَة مُحَلِّلًا لِمَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله
وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي - وَهُوَ أَنَّ الْوَسِيلَة إِلَى الْحَرَام حَرَام: فَبَانَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة وَالْفِطْرَة وَالْمَعْقُول.
فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه مَسَخَ الْيَهُود قِرَدَة وَخَنَازِير لَمَّا تَوَسَّلُوا إِلَى الصَّيْد الْحَرَام بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي ظَنُّوهَا مُبَاحَة، وَسَمَّى أَصْحَاب رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَالتَّابِعُونَ مِثْل ذَلِكَ مُخَادَعَة، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ " يُخَادِعُونَ اللَّه كَمَا يُخَادِعُونَ الصِّبْيَان، لَوْ أَتَوْا الْأَمْر عَلَى وَجْهه كَانَ أَسْهَل ".
وَالرُّجُوع إِلَى الصَّحَابَة فِي مَعَانِي الْأَلْفَاظ مُتَعَيَّن، سَوَاء كَانَتْ لُغَوِيَّة، أَوْ شَرْعِيَّة، وَالْخِدَاع حَرَام.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ هَذَا الْعَقْد يَتَضَمَّن إِظْهَار صُورَة مُبَاحَة، وَإِضْمَار مَا هُوَ مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر، فَلَا تَنْقَلِب الْكَبِيرَة مُبَاحَة بِإِخْرَاجِهَا فِي صُورَة الْبَيْع الَّذِي لَمْ يُقْصَد نَقْل الْمِلْك فِيهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا قَصْده حَقِيقَة الرِّبَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الطَّرِيق مَتَى أَفْضَتْ إِلَى الْحَرَام، فَإِنَّ الشَّرِيعَة لَا تَأْتِي بِإِبَاحَتِهَا أَصْلًا، لِأَنَّ إِبَاحَتهَا وَتَحْرِيم الْغَايَة جَمْع بَيْن النَّقِيضَيْنِ، فَلَا يُتَصَوَّر أَنْ يُبَاح شَيْء وَيُحَرَّم مَا يُفْضِي إِلَيْهِ، بَلْ لَا بُدّ مِنْ تَحْرِيمهمَا أَوْ إِبَاحَتهمَا، وَالثَّانِي بَاطِل قَطْعًا فَيَتَعَيَّن الْأَوَّل. =
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 217
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست