responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 218
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَأَيْضًا: فَإِنَّ الشَّارِع إِنَّمَا حَرَّمَ الرِّبَا، وَجَعَلَهُ مِنْ الْكَبَائِر، وَتَوَعَّدَ آكِله بِمُحَارَبَةِ اللَّه وَرَسُوله، لِمَا فِيهِ مِنْ أَعْظَم الْفَسَاد وَالضَّرَر، فَكَيْف يتصور مَعَ هَذَا - أَنْ يُبِيح هَذَا الْفَسَاد الْعَظِيم بِأَيْسَر شَيْء يَكُون مِنْ الْحِيَل؟ فَيَالِلَّه الْعَجَب، أَتَرَى هَذِهِ الْحِيلَة أَزَالَتْ تِلْكَ الْمَفْسَدَة الْعَظِيمَة، وَقَلَبَتْهَا مَصْلَحَة، بَعْد أَنْ كَانَتْ مَفْسَدَة؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه عَاقَبَ أَهْل الْجَنَّة الَّذِينَ أَقْسَمُوا لَيَصْرُمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَكَانَ مَقْصُودهمْ مَنْع حَقّ الْفُقَرَاء مِنْ التَّمْر الْمُتَسَاقِط وَقْت الْحَصَاد، فَلَمَّا قَصَدُوا مَنْع حَقّهمْ مَنَعَهُمْ اللَّه الثَّمَرَة جُمْلَة.
وَلَا يُقَال: فَالْعُقُوبَة إِنَّمَا كَانَتْ عَلَى رَدّ الِاسْتِثْنَاء وَحْده لِوَجْهَيْنِ.
أَحَدهمَا: أَنَّ الْعُقُوبَة مِنْ جِنْس الْعَمَل، وَتَرْك الِاسْتِثْنَاء عُقُوبَته: أَنْ يَعُوق وَيَنْسَى لَا إِهْلَاك مَاله، بِخِلَافِ عُقُوبَة ذَنْب الْحِرْمَان فَإِنَّهَا حِرْمَان كَالذَّنْبِ.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْم عَلَيْكُمْ مِسْكِين}.
وَذَنْب الْعُقُوبَة عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْوَصْف مَدْخَل فِي الْعُقُوبَة لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَة فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْعِلَّة التَّامَّة كَانَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّة.
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَحْصُل الْمَقْصُود.
وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:" وَالْمُتَوَسِّل بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي صُورَتهَا مُبَاحَة إِلَى الْمُحَرَّم إِنَّمَا نِيَّته الْمُحَرَّم، وَنِيَّته أَوْلَى بِهِ مِنْ ظَاهِر عَمَله ".
وَأَيْضًا: فَقَدْ رَوَى اِبْن بَطَّة وَغَيْره بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " لَا تَرْتَكِبُوا مَا اِرْتَكَبَ الْيَهُود فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِم اللَّه بِأَدْنَى الْحِيَل " وَإِسْنَاده مِمَّا يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيّ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " لَعَنَ اللَّه الْيَهُود حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُوم فَجَمَّلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانهَا " وَ " جَمَّلُوهَا " يَعْنِي أَذَابُوهَا وَخَلَطُوهَا، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَزُولَ عَنْهَا اِسْم الشَّحْم، وَيَحْدُث لَهَا اِسْم آخَر وَهُوَ الْوَدَك، وَذَلِكَ لَا يُفِيد الْحِلّ، فَإِنَّ التَّحْرِيم تَابِع لِلْحَقِيقَةِ وَهِيَ لَمْ تَتَبَدَّل بِتَبَدُّلِ الِاسْم.
وَهَذَا الرِّبَا تَحْرِيمه تَابِع لِمَعْنَاهُ وَحَقِيقَته فَلَا يَزُول بِتَبَدُّلِ الِاسْم بِصُورَةِ الْبَيْع كَمَا لَمْ يَزُلْ تَحْرِيم الشَّحْم بِتَبْدِيلِ الِاسْم بِصُورَةِ الْجَمْل وَالْإِذَابَة وَهَذَا وَاضِح بِحَمْدِ اللَّه.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْيَهُود لَمْ يَنْتَفِعُوا بِعَيْنِ الشَّحْم، إِنَّمَا اِنْتَفَعُوا بِثَمَنِهِ، فَيَلْزَم مَنْ وَقَفَ مَعَ صُوَر الْعُقُود وَالْأَلْفَاظ، دُون مَقَاصِدهَا وَحَقَائِقهَا أَنْ يُحَرِّم ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَنُصّ عَلَى تَحْرِيم الثَّمَن وَإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ نَفْس الشَّحْم وَلَمَّا لَعَنَهُمْ عَلَى اِسْتِحْلَالهمْ الثَّمَن، وَإِنْ لَمْ يَنُصّ عَلَى تَحْرِيمه دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِب النَّظَر إِلَى الْمَقْصُود وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ الْوَسَائِل إِلَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُوجِب أَنْ لَا يُقْصَد الِانْتِفَاع بِالْعَيْنِ وَلَا بِبَدَلِهَا.
وَنَظِير هَذَا أَنْ يُقَال: لَا تَقْرَب مَال الْيَتِيم فَتَبِيعهُ وَتَأْكُل عِوَضه، وَأَنْ يُقَال: لَا تَشْرَب الْخَمْر فَتُغَيِّر اِسْمه وَتَشْرَبهُ، وَأَنْ يُقَال: لَا تَزْنِ بِهَذِهِ الْمَرْأَة فَتَعْقِد عَلَيْهَا عَقْد إِجَارَة وَتَقُول إِنَّمَا أَسْتَوْفِي مَنَافِعهَا وَأَمْثَال ذَلِكَ.
قَالُوا: وَلِهَذَا الْأَصْل - وَهُوَ تَحْرِيم الْحِيَل الْمُتَضَمِّنَة إِبَاحَة مَا حَرَّمَ اللَّه أَوْ إِسْقَاط مَا أَوْجَبَهُ اللَّه عَلَيْهِ - أَكْثَر مِنْ مِائَة دَلِيل، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - " لَعَنَ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ " مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِصُورَةِ عَقْد النِّكَاح الصَّحِيح، لِمَا كَانَ مَقْصُوده التَّحْلِيل، لَا حَقِيقَة النِّكَاح.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ زَانِيًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى صُورَة الْعَقْد.
الدَّلِيل الثَّانِي عَلَى تَحْرِيم الْعِينَة مَا رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده: حَدَّثَنَا أَسْوَد بْن عَامِر حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُول " إِذَا ضَنَّ النَّاس بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَم، وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَاب الْبَقَر، وَتَرَكُوا الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه: أَنْزَلَ اللَّه بِهِمْ بَلَاء، فَلَا يَرْفَعهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينهمْ ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح إِلَى حَيْوَة بْن شُرَيْح الْمِصْرِيّ عَنْ إِسْحَاق أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِيّ أَنَّ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ حَدَّثَهُ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُول - فَذَكَرَهُ، وَهَذَانِ إِسْنَادَانِ حَسَنَانِ يَشُدّ أَحَدهمَا الْآخَر.
فَأَمَّا رِجَال الْأَوَّل فَأَئِمَّة مَشَاهِير، وَإِنَّمَا يُخَاف أَنْ لَا يَكُون الْأَعْمَش سَمِعَهُ مِنْ عَطَاء أَوْ أَنَّ عَطَاء لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ اِبْن عُمَر.
وَالْإِسْنَاد الثَّانِي: يُبَيِّن أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا مَحْفُوظًا عَنْ اِبْن عُمَر، فَإِنَّ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ ثِقَة مَشْهُور وَحَيْوَة كَذَلِكَ. وَأَمَّا إِسْحَاق أَبُو عَبْد الرَّحْمَن فَشَيْخ رَوَى عَنْهُ أَئِمَّة الْمِصْرِيِّينَ، مِثْل حَيْوَة وَاللَّيْث وَيَحْيَى بْن أَيُّوب وَغَيْرهمْ.
وَلَهُ طَرِيق ثَالِث: رَوَاهُ السَّرِيّ بْن سَهْل حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن رَشِيد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد عَنْ لَيْث عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ " لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَان وَمَا مِنَّا رَجُل يَرَى أَنَّهُ أَحَقّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمه مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِم، وَلَقَدْ سَمِعْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: إِذَا ضَنَّ النَّاس =
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست