نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 387
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وكما أنّ ما أسكر كثيره حرم قليله من المائعات، كذلك يحرم مطلقاً ما يخدّر من الأشياء الجامدة المضرّة بالعقل أو غيره من أعضاء الجسد.
وذلك إذا تناول قدراً مضرّاً منها.
دون ما يؤخذ منها من أجل المداواة، لأنّ حرمتها ليست لعينها، بل لضررها.
7 - وعلى هذا يحرم تناول البنج والحشيشة والأفيون في غير حالة التّداوي، لأنّ ذلك كلّه مفسد للعقل، فيحدث لمتناوله فساداً، ويصدّ عن ذكر الله وعن الصّلاة.
لكن تحريم ذلك ليس لعينه بل لنتائجه.
8 - ويحرم القدر المسكر المؤذي من جوزة الطّيب، فإنّها مخدّرة، لكن حرمتها دون حرمة الحشيشة.
9 - وذهب الفقيه أبو بكر بن إبراهيم المقري الحرازيّ الشّافعيّ إلى تحريم القاتّ في مؤلّفه في تحريم القاتّ.
حيث يقول: إنّي رأيت من أكلها الضّرر في بدني وديني فتركت لها، فقد ذكر العلماء: أنّ المضرّات من أشهر المحرّمات، فمن ضررها أنّ آكلها يرتاح ويطرب وتطيب نفسه ويذهب حزنه، ثمّ يعتريه بعد ساعتين من أكله هموم متراكمة وغموم متزاحمة وسوء أخلاق.
وكذلك ذهب الفقيه حمزة النّاشريّ إلى تحريمه واحتجّ بحديث أمّ سلمة رضي الله عنها «أنّه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كلّ مسكر ومفتر».
«أدلّة تحريم المخدّرات»
10 - الأصل في تحريمها ما رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند صحيح عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلّ مسكر ومفتر».
قال العلماء: المفتر: كلّ ما يورث الفتور والخدر في الأطراف.
قال ابن حجر: وهذا الحديث فيه دليل على تحريم الحشيش بخصوصه، فإنّها تسكر وتخدّر وتفتر.
وحكى القرافيّ وابن تيميّة الإجماع على تحريم الحشيشة، قال ابن تيميّة: ومن استحلّها فقد كفر، وإنّما لم تتكلّم فيها الأئمّة الأربعة رضي الله عنهم، لأنّها لم تكن في زمنهم، وإنّما ظهرت في آخر المائة السّادسة وأوّل المائة السّابعة حين ظهرت دولة التّتار.
«طهارة المخدّرات ونجاستها»
11 - المخدّرات الجامدة كلّها عند جمهور الفقهاء طاهرة غير نجسة وإن حرم تعاطيها، ولا تصير نجسةً بمجرّد إذابتها في الماء ولو قصد شربها، لأنّ الحكم الفقهيّ أنّ نجاسة المسكرات مخصوصة بالمائعات منها، وهي الخمر الّتي سمّيت رجساً في القرآن الكريم، وما يلحق بها من سائر المسكرات المائعة.
بل قد حكى ابن دقيق العيد الإجماع على طهارة المخدّرات.
على أنّ بعض الحنابلة رجّح الحكم بنجاسة هذه المخدّرات الجامدة.
وتفصيل ذلك في موضوع النّجاسات.
«علاج مدمني المخدّرات»
12 - سئل ابن حجر المكّيّ الشّافعيّ عمّن ابتلي بأكل الأفيون والحشيش ونحوهما، وصار إن لم يأكل منه هلك.
فأجاب: إن علم أنّه يهلك قطعاً حلّ له، بل وجب، لاضطراره إلى إبقاء روحه، كالميتة للمضطرّ، ويجب عليه التّدرّج في تقليل الكميّة الّتي يتناولها شيئاً فشيئاً، حتّى يزول تولّع المعدة به من غير أن تشعر، قال الرّمليّ من الحنفيّة: وقواعدنا لا تخالفه في ذلك. «بيع المخدّرات وضمان إتلافها»
13 - لمّا كانت المخدّرات طاهرةً - كما سبق تفصيل ذلك - وأنّها قد تنفع في التّداوي بها جاز بيعها للتّداوي عند جمهور الفقهاء، وضمن متلفها، واستثنى بعض الفقهاء الحشيشة، فقالوا بحرمة بيعها كابن نجيم الحنفيّ، وذلك لقيام المعصية بذاتها، وذكر ابن الشّحنة أنّه يعاقب بائعها، وصحّح ابن تيميّة نجاستها وأنّها كالخمر، وبيع الخمر لا يصحّ فكذا الحشيشة عند الحنابلة، وذهب بعض المالكيّة إلى ما ذهب إليه ابن تيميّة.
أمّا إذا كان بيعها لا لغرض شرعيّ كالتّداوي، فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى تحريم بيع المخدّرات لمن يعلم أو يظنّ تناوله لها على الوجه المحرّم، ولا يضمن متلفها، خلافاً للشّيخ أبي حامد - أي الإسفرايينيّ - ويفهم من كلام ابن عابدين في حاشيته أنّ البيع مكروه ويضمن متلفها.
«تصرّفات متناول المخدّرات»
14 - إنّ متناول القدر المزيل للعقل من المخدّرات، إمّا أن يكون للتّداوي أو لا، فإن كان للتّداوي فإنّ تصرّفاته لا تصحّ عند جماهير الفقهاء.
أمّا إذا كان زوال العقل بتناول المخدّرات لا للتّداوي، فإنّ الفقهاء مختلفون فيما يصحّ من تصرّفاته وما لا يصحّ.
فذهب الحنفيّة إلى أنّ تصرّفاته صحيحة إذا استعمل الأفيون للهو، لكونه معصيةً، واستثنى الحنفيّة الرّدّة والإقرار بالحدود والإشهاد على شهادة نفسه فإنّها لا تصحّ، ومحلّ ذلك إذا كان لا يعرف الأرض من السّماء، أمّا إذا كان يعرف ذلك فهو كالصّاحي، فكفره صحيح، وكذلك طلاقه وعتاقه وخلعه.
قال ابن عابدين في الحشيشة والسّكر بها: فلمّا ظهر من أمرها - أي الحشيشة - من الفساد كثير وفشا، عاد مشايخ المذهبين - الحنفيّة والشّافعيّة - إلى تحريمها وأفتوا بوقوع الطّلاق بها.
وزاد بعض الحنفيّة على ما تقدّم أنّ زوال العقل إذا كان بالبنج والأفيون، وكان للتّداوي - أي على سبيل الجواز - أنّ الطّلاق يقع زجراً وعليه الفتوى.
وذهب المالكيّة إلى صحّة طلاقه وعتقه وتلزمه الحدود والجنايات على نفس ومال، بخلاف عقوده من بيع وشراء وإجارة ونكاح وإقرارات فلا تصحّ ولا تلزم على المشهور.
وذهب الشّافعيّة إلى صحّة جميع تصرّفاته، لعصيانه بسبب زوال عقله، فجعل كأنّه لم يزل.
والصّحيح من مذهب الحنابلة أنّ تناول البنج ونحوه لغير حاجة - إذا زال العقل به كالمجنون - لا يقع طلاق من تناوله، لأنّه لا لذّة فيه، وفرّق الإمام أحمد بينه وبين السّكران فألحقه بالمجنون، وقدّمه في «النّظم» «والفروع» وهو الظّاهر من كلام الخرقيّ فإنّه قال: وطلاق الزّائل العقل بلا سكر لا يقع.
قال الزّركشيّ - من الحنابلة - وممّا يلحق بالبنج الحشيشة الخبيثة، وأبو العبّاس ابن تيميّة يرى أنّ حكمها حكم الشّراب المسكر حتّى في إيجاب الحدّ، وهو الصّحيح إن أسكرت، أو أسكر كثيرها وإلاّ حرمت، وعزّر فقط فيها.
«عقوبة متناول المخدّرات»
15 - اتّفق الفقهاء على أنّ متناول المخدّرات للتّداوي ولو زال عقله لا عقوبة عليه، من حدّ أو تعزير.
أمّا إذا تناول القدر المزيل للعقل بدون عذر فإنّه لا حدّ عليه أيضاً عند جماهير العلماء - إلاّ ما ذهب إليه ابن تيميّة في إيجاب الحدّ على من سكر من الحشيشة، مفرّقاً بينها وبين سائر المخدّرات.
بأنّ الحشيشة تشتهى وتطلب بخلاف البنج، فالحكم عنده منوط باشتهاء النّفس.
واتّفق الفقهاء أيضاً على تعزير متناول المخدّرات بدون عذر، لكن ذهب الشّافعيّة إلى أنّ الأفيون وغيره إذا أذيب واشتدّ وقذف بالزّبد، فإنّه يلحق بالخمر في النّجاسة والحدّ، كالخبز إذا أذيب وصار كذلك، بل أولى.
وقيّد الشّافعيّة عقوبة متناول المخدّرات بما إذا لم يصل إلى حالة تلجئه إلى ذلك كما سبق، فإن وصل إلى تلك الحالة لا يعزّر، بل يجب عليه الإقلاع عنه إمّا باستعمال ضدّه أو تقليله تدريجيّاً.
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 387