نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 86
ربُّنا تبارك وتعالى أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر من أوصاف المؤمنين اللاَّزمة، فيقول سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة، في مقابل ذلك وصف من كانوا ضِدَّهم وعلى النَّقيض منهم: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (67) سورة التوبة.
ولو أنَّ المُسلمين عرفوا هذه الآيات حقَّ المعرفة، وعملوا بها على الوجه الأتمِّ الأكمل والسَّبيل الأرشد الأقوم لما استطاع أهل الشر والفساد من عُتاة البشر أن يفعلوا بالأُمَّة الأفاعيل، وينشروا بين بنيها الترهات والأباطيل، ولو أنَّ الدَّاعية الآمر بالمعروف والنَّاهي عن المُنكر وجد من ورائه أُمَّة من النَّاس يوالونه ويناصرونه لما استطاع شرير أن ينال مصلحاً بأذىً. لكنَّ حقيقة الأمر أنَّ النَّاس مُسلِمُوه وخاذِلوه [1]، فينفرد أهل الشر والفساد بالمصلحين واحداً بعد الآخر يسومونهم سوء العذاب وأشدَّ النَّكال؛ تارة بتنفير الناس منهم وتارة بإطلاق نعوت السوء عليهم كقولهم: هؤلاء رجعيون، ظلاميون، متخلفون، متطرفون، متشددون، متنطعون .. إلى آخر تلك الألقاب السيئة: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} (53) سورة الذاريات.
وفي سُنَّة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نقرأ أحاديث نتبيَّن من خلالها أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر سنة ماضيةٌ وفريضةٌ محكمةٌ ليست راجعةً إلى اختيار النَّاس، بل هي من ضرورات الدِّين لا قيام لحياة الناس إلا بها، فليست هي حقّاً مُكْتَسَباً كما يُطالب بذلك دُعاة الدِّيمقراطية، بل هي فريضةٌ دينيَّة وهداية ربَّانيَّة لهذه الأُمَّة المحمدية. عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ - أَوْ نَقُولَ - بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِى اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ» [2].
وقد نطق بهذا الحديث عبادة رضي الله عنه لما أنكر عليه بعض النَّاس أمره بالمعروف ونهيه عن المُنكر، فقال له: ما كنتَ معنا ـ ليلةَ العقبة ـ حين بايْعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -} وذكر الحديث [3]، ويأمرنا عليه الصَّلاة والسَّلام أن نُغيِّر المُنكر بما نستطيع «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ» [4]. [1] - وفي صحيح مسلم برقم (6706) عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا».وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ». [2] - صحيح البخارى برقم (7199) و صحيح مسلم برقم (4874) [3] - انظر القصة في سير أعلام النبلاء 2/ 7. [4] - صحيح مسلم برقم (186)
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 86