نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 87
ويجعل - صلى الله عليه وسلم - التَّغيير بالقلب فرضاً مُتعيِّناً على كل مُسلم بقوله {وذلك أضعف الإيمان} وكأنَّ الذي يرى المُنكر ولا يُغيِّر حتى بقلبه قد جانب وصف الإيمان، وما استحقَّ أن يُنْعَت به، لأنَّه ما امْتَعَضَ ولا غَضِبَ ـ حتى بقلبه ـ لله، ولا تَمَعَّر فيه وجهه. ويقول عليه الصلاة والسلام «مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلاَ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» [1].
وإذا كان تغيير المُنكر واجباً بعمومه، وصاحبه مأجوراً في الدَّرجات العلى، فإنَّه أعظم أجراً إذا وقع في مُواجهة الظَّالم الجائر والمُستبدِّ الغاشم. عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِى الْغَرْزِ أَىُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» [2].
وفي حديث آخر يسوي - صلى الله عليه وسلم - بين الآمر بالمعروف والنَّاهي عن المُنكر بين يدي السُّلْطان الجائر وبين سيِّد الشُّهداء حمزة، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَالَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ " [3] ولا تحريضَ على القيام بهذه الفريضة أعظم من ذلك وأكبر.
وينهانا نبيُّنا عليه الصَّلاة والسَّلام عن التَّقاعُس عن القيام بهذه المُهمَّة العظيمة استصغاراً للنَّفس أو تعظيماً للظَّلَمة أو خشيةً من الفَسَقة. فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «لاَ يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالاً ثُمَّ لاَ يَقُولُهُ فَيَقُولُ اللَّهُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِيهِ فَيَقُولُ رَبِّ خَشِيتُ النَّاسَ. فَيَقُولُ وَأَنَا أَحَقُّ أَنْ تَخْشَى» [4].
ويجعل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - التَّخاذل أمام هؤلاء الظَّلَمة وترك أمرهم ونهيهم ـ مهابةً منهم ـ قريناً لضياع هذه الأُمَّة وذهاب شوكتها واندثار هيبتها «إِذَا رَأَيْتَ أُمَّتِى تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ أَنْتَ ظَالِمٌ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ» [5].
الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر دليل بقاء خيريَّة هذه الأُمَّة، وجدارتها بقيادة الأُمَم، وأنَّها ـ حقّاً ـ الأُمَّة الوارثة لهداية النَّبيين. عَنْ دُرَّةَ بِنْتِ أَبِى لَهَبٍ [6] قَالَتْ قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - «خَيْرُ النَّاسِ أَقْرَؤُهُمْ [7] وَأَتْقَاهُمْ وَآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [8] وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ» [9]. [1] - سنن ابن ماجه برقم (4139) صحيح لغيره [2] - سنن النسائى برقم (4226) وهو صحيح [3] - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ برقم (4872) وقال: قَالَ:" صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ " * وهو كما قال [4] - مسند أحمد برقم (11559) وهو صحيح [5] - مسند أحمد برقم (6959) والمستدرك برقم (7136) وهو صحيح لغيره [6] - بنت عم النبي - صلى الله عليه وسلم - أسلمت وهاجرت وقدمت المدينة، نزلت في دار رافع بن المعلى. يقال: تزوج بها دحية بن خليفة الكلبي. أعلام النساء 1/ 409، أسد الغابة 7/ 103، الإصابة 12/ 245، سير النبلاء 2/ 275. [7] - أي أكثرهم كرماً. [8] - أي أكثرهم أمراً بالمعروف. [9] - مسند أحمد برقم (28196) وفيه جهالة.
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 87