الأمرينِ مِنْ رسولِ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تركُ الوضوءِ مما مسّتِ النارُ] وهذا الحديث الذي ذكروا أنه ناسخ فيه علّة أشار إليها ابن أبي حاتم -رحمة الله عليه- في كتابه العلل في الجزء الثاني وهي: أن هذا الحديث أصله أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل كَتِفَ شاةٍ، ثم صلّى، ولم يتوضّأ، فرواه الرّاوي بالمعنى فعمّم، وإلا فهو خاصُّ بالغنم، فلا يقوى على معارضة النصِّ الصريح المتقدم، ولذلك يبقى الحكم أن من أكل لحم الجزور يجب عليه أن يعيد الوضوء.
ويرد السؤال: هل إذا شرب لبن الجزور يجب عليه أن يعيد وضوءه؟
الجواب: لا، وحديث الأمر بالوضوء من لبن الجزور ضعيف.
واختلف في الكبد والسنام؟
فقال بعض العلماء: إنه يتوضأ منها؛ لأن ذكر اللحم خرج مخرج الغالب، فلم يعتبر مفهومه، كقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} فقوله: {لَحْمَ خِنْزِيرٍ} لا مفهوم له؛ لأن الخنزير كلّه حرام لحمه، وشحمه، كذا هنا فالسائل سأل عن الغالب، مع أن النصّ إذا ورد في جواب السؤال لم يعتبر مفهومه أيضاً، وقيل: إنه لا يتوضأ منها وهو أقوى من جهة النص فإن السؤال ورد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنتوضأ من لحوم الإبل؟ فنص على اللحوم، ولم يذكر الكبد، ولا بقية أجزاء الإبل كالسنام ونحوه فإنه ليس بلحم؛ وإنما هو شحم فمن أكل سنام البعير لا يدخل في هذا الحكم، وهكذا من شرب لبن الإبل فإنه لا يحكم بانتقاض وضوءه؛ لأن الأصل الطهارة حتى