نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 368
تطور المعارف الإنسانية الكونية وقصور العقل البشرى عن إدراك حقائق النواميس الطبيعية فى كلام طويل نقتطف منه ما يلي: «كل نظرياتنا العلمية العظيمة ليست بقديمة العهد .. لأن تاريخ العلم التجريبى المحقق لا يصعد إلى أبعد من ثلاثة قرون، وفى هذا العهد القريب قربا نسبيا حدث دوران مختلفان من أدوار التحول فى أفكار العلماء.
فالدور الأول كان دور الثقة والاعتقاد، فكانت فيه المقررات الفلسفية والدينية وهى قواعد مدركاتنا القديمة عن الوجود تضمحل وتزول ببطء أمام المكتشفات العلمية التى تتوالى يوميا ولا سيما فى النصف الأول من القرن الماضى، وكان يظن مؤسسو كل علم جديد أنهم متى أتموا بناء الصرح العلمى استمر هذا الصرح قائما على انقاض أوهام الزمان الماضى فكانت العقيدة العلمية فى هذا الدور على غاية تمامها.
دامت هذه العقيدة فى المقررات الكبرى للعلم العصرى حافظة لقوتها، إلى أن حدثت فى الأيام الأخيرة مكتشفات غير منتظرة قضت على الفكر العلمى أن يكابد من الشكوك فى نتائج بحثه ما كان يعتقد أنه قد تخلص منه أبد الآبدين. فإن الصرح الذى كان لا يرى صدوعه إلا عدد قليل من العقول العالية تزعزع فجأة بشدة عظيمة، فصارت التناقضات والمحالات التى فيه ظاهرة للعيان بعد أن كانت من الجفاء بحيث تكاد لا تبلغها الظنون.
أدرك الناس على عجل أنهم كانوا مخدوعين وأسرعوا يتساءلون: عما إذا كانت الأصول المكونة للمقررات اليقينية لمعارفنا الطبيعية لم تكن إلا فروضا واهية تحجب تحت غشائها جهلا لا يسبر له غور؟ فحدث فى إدراك المقررات العلمية مثل ما حدث قبل ذلك للعقائد الدينية [1] عند ما شرعوا فى مناقشتها الحساب، فبدأت ساعة الانحطاط ثم تلاها دور الزوال والنسيان.
لا مشاحة فى أن الأصول التى كان العلم يختال بها اختيالا لم تزل كل الزوال، بل هى ستبقى أمدا طويلا فى نظر الدهماء كحقائق مقررة وستستمر الكتب الابتدائية على نشرها، ولكنها قد فقدت كل ما كان لها من الإجلال فى نظر العلماء الحقيقيين. [1] يقصد المؤلف العقائد الدينية عندهم، وإلا فإن عقائد الإسلام قد سايرت العلم فى كل عصر، فلم تضعف أمامه وقد بينا سر ذلك فى الفصل السابق. (محمد فريد وجدى).
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 368