البلاغة التي فيها، وسمة الإعجاز التي تتميز بها، والأسلوب القرآني في تقريب البعيد، وتجسيد المجردات، وتهويل ما ينبغي تهويله من معاني التهديد والوعيد:
1 - يقول الله تعالى في تمثيل حال المنافقين:
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً، فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ، يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
فهما مثالان، يدل كلّ منهما في الجملة على أن شأن المنافق أن يتحلّى بظاهر من الدين ليكسب منه غنائمه ويتقي مغارمه، ولكنه يبوء بنهاية تنقلب غنائمه فيها وبالا عليه، فلا تكسبه خيرا ولا تحرز له نفعا.
وانظر كيف يعبّر عن ذلك المثال الأول: إن حالهم أشبه بحال من أشعل نارا ليستضيء بها، ولكنها ما كادت تضيء ما حوله وما كاد يطمئن إلى إمكان الاستفادة منها، حتى انطفأت وعاد ما حولها إلى ظلام وبقي صاحبها يتيه بين الوحشة والحسرة.
وهذا هو معنى المثال الثاني: أو إن حالهم كحال أصحاب مطر غزيرة في ليلة ظلماء مليئة بوميض البرق وزمجرة الرعد، إذا أومض عليهم البرق كاد أن يتخطف منهم أبصارهم وإذا داهمهم قصف الرعد جعلوا أصابعهم في آذانهم من مخافته واتقائه. وهم أثناء ذلك يحاولون أن يستفيدوا من ومضات النور الذي يلمع لهم بين الحين والآخر، فيسيرون في ضيائه كلما أومض، ويتربصون بأنفسهم كلما أظلم.
أي إنهم متلبسون في ظاهرهم بالإسلام الذي هو كصيّب من المطر، ولكنهم في قلق شديد من تبعاته ووظائفه وأحكامه، وعلى طمع من التعلّق بمنافعه وخيراته الدنيوية، فهم لا يزالون كذلك: يسرعون للاستفادة من