قوله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ... الآية. فهي قصة ذات تفصيل وأحداث ومراحل، ولكنها سيقت مساق المثل فكانت مثالا من أمثلة القرآن، وكانت في الوقت نفسه قصة واقعة يجب التصديق بها.
ومنه أيضا قوله عزّ وجلّ: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ ... [1] إلى آخر الآيات. فهي أيضا قصة واقعة ولكنها سيقت مساق المثل ولم تورد على أساس مجرد الإخبار عنها.
ولقد اشتهى بعض الكاتبين أن يصطنع اللبس بين المثل الفرضي الذي يورده القرآن والقصة الواقعية التي يخبر عنها، ثم حلّ المشكلة المصطنعة بأن اعتبر قصص القرآن كلها مجرد أمثال سيقت للبيان والتقريب، ولم تذكر للحمل على التصديق بما في مضمونها! ..
والحقيقة أنه لا يوجد أي لبس بين المثال الفرضي والقصة الحقيقة، وما رأينا عالما ولا مفسرا ممّن مضى قبلنا أحسّ بشيء من هذا اللّبس أو تكلم عنه.
فما من عاقل إلا وهو يدرك أن قصة يوسف، وموسى، ونوح، ومريم، وعاد، وثمود، ومدين، أخبار ثابتة لا يلحقها الريب ولا يطولها التأويل، وما من قصة منها إلا ويوجد بين يديها أو من خلفها ما ينبّه القارئ إلى واقعيتها وصدقها وإلى أنها ليست فرضية من فرضيات الوهم والخيال، وكقوله تعالى: نحن نقصّ عليك نبأهم بالحق [2]. وكقوله: نحن نقصّ عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن [3]. وكقوله عزّ وجلّ: ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون [4]. وكقوله: تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين [5]. [1] ن: 17 - 32. [2] الكهف: 13. [3] يوسف: 3. [4] يوسف: 102. [5] هود: 49.