ولكن الكاتب الذي فعل هذا، شاقه أن يخلد سخافة صاحب «في الشعر الجاهلي» عسى أن يطبّل الناس له، كما قد طبّلوا لذاك، سواء جاء ذلك التطبيل ضربا على القفا أو صفعا من الأمام، ما دام أنه تطبيل يذهب بالصيت ويشهره بين عامة الناس.
وبعد، فأحسب أنني لست بحاجة إلى أن أطيل في عرض النماذج من أمثلة القرآن. فالاستقصاء عسير، والنموذج يكتفي فيه بأقلّ مما أوردناه.
والغرض أن تدرك من وراء هذا الذي ذكرناه مدى أهمية الأمثلة في كتاب الله تعالى، وقد أفردها بالتأليف الإمام أبو الحسن الماوردي (364 - 450) وأن تتنبه إلى أن جانبا كبيرا من الإعجاز القرآني إنما يطلّ من هذه الأمثال من ناحيتي الأسلوب والمضمون، وأن تعلم بأن المعنى مهما ألبس ثوبا مطرزا من البيان والإشراق، فإنه يظل بعيدا عن مرأى العين والخيال حتى يتجسد في مثال مما يمسّه الحسّ والشعور.
ولأضع أمامك تحقيقا لهذا الحق وخاتمة لهذا البحث، وهو خلاصة ما قاله الشيخ عبد القاهر الجرجاني في هذا المقام:
[واعلم أن ما اتفق العقلاء عليه أن التمثيل إذا جاء في أعقاب المعاني أو أبرزت هي باختصار في معرضه، ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته، كساها أبّهة، وكسبها منقبة، ورفع من أقدارها وشبّ من نارها ... فإن كان مدحا كان أبهى وأفخم ... وإن كان اعتذارا كان إلى القبول أقرب وللقلوب أخلب، وإن كان وعظا كان أشفى للصدر وأدعى إلى الفكر ...
وإن أردت أن تعرف ذلك، فانظر إلى قول البحتري:
دان على أيدي العفاة وشاسع ... عن كل يد في الندى وضريب
كالبدر أفرط في العلو وضوؤه ... للعصبة السارين جدّ قريب
وفكّر في حالك وحال المعنى معك، وأنت في البيت الأول لم تنته إلى الثاني ولم تتدبر نصرته إياه وتمثيله له فيما يملي على الإنسان عيناه ويؤدي إليه