لتفهمها، بل بغية مدّ غاشية من الغموض عليها، ثم الوصول بها إلى المعنى الذي يراد ربطها به، وإن لم تكن منه في شيء.
فلنتنبه بفكر موضوعي مجرد وعقل علمي متحرّر، ولنتساءل مع المتسائلين:
ما هو هذا الوحي الذي جاء بهذا القرآن فوضعه بين يدي محمد عليه الصلاة والسلام؟
أهو نوع من الإلهام النفسي أم هو حركة فكرية داخلية؟
أم هو إشراق روحي جاءه عن طريق الكشف التدريجي؟
أم هو ضرب من الصرع والجنون كان ينتابه كما قد قيل؟
أم هو استقبال لحقيقة ذاتية مستقلة عن كيانه يتلقاها من خارج فكره وشعوره؟
ونحن لا نملك سبيلا علمية صحيحة للإجابة على هذه الأسئلة إلّا بالرجوع إلى حقائق التاريخ الثابتة الواصلة إلينا عن طريق النقل الصحيح.
وإذا رجعنا نسأل حقائق التاريخ فإنها تضعنا أمام حديث قصة بدء الوحي الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والحديث طويل، وحسبنا أن نجتزئ منه في هذا المقام ما يكشف لنا سبيلا صحيحة للإجابة على هذه الأسئلة.
ففي الحديث أن ملكا فاجأه في غار حراء يتعبد، فقال له: اقرأ، فقال:
ما أنا بقارئ، فأخذه الملك فغطّه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، وتكرر هذا من الملك والرسول عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات، وفي المرة الثالثة قال الملك: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم) فكان ذلك أول ما نزل من القرآن.
وفي الحديث أيضا أنه عليه الصلاة والسلام نزل عقب ذلك من الغار