عائدا إلى البيت وإن فؤاده ليرتجف خوفا. وفي الحديث أيضا أن خديجة ذهبت به إلى ورقة بن نوفل، وكان شخا كبيرا قد تنصّر في الجاهلية فأخبره بالأمر، فقال له ورقة: إن هذا هو الناموس (أي الوحي) الذي نزل على موسى، وطمأنه أنه ليس شرّا. وفي الحديث أيضا أن الوحي قد انقطع بعد ذلك مدة طويلة من الزمن، وأن الضيق والألم قد استبدا به صلّى الله عليه وسلّم من ذلك، خوفا من أن يكون قد أساء فتحول عنه الوحي لذلك. ثم إنه رأى ذلك الملك مرة أخرى، وقد ملأ مظهره ما بين السماء والأرض، قال: فرعبت منه ورجعت فقلت:
زملوني زملوني .. فنزل عليه قوله تعالى يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ إلى قوله وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ثم تتابع الوحي بعد ذلك.
هذه الحقائق الواردة في هذا الحديث لا يمكن أن نتجاهلها أو نردّها بشكل ما، لسبين:
أولهما- أن ظاهرة الوحي التي يتحدث الكاتبون عن حقيقتها إنما وصلت إلينا عن طريق هذا الحديث ونحوه، فإذا ضربت صفحا عن هذه الكلمة نفسها، إذ لا معنى للبحث في شيء غير موجود ولا واقع من أساسه.
ثانيهما- أن الحديث ليس من قبيل هذه الاستنتاجات النظرية أو التاريخية التي يجنح إليها كثير من باحثي هذا العصر ويبنون عليها أحمالا وأثقالا من الأحكام الخطيرة
الهامة، بل هو خبر نقل بواسطة سند متصل من الرواة، خلا أصحابه- بعد الدراسة لتراجمهم وأحوالهم- عن أي تهمة تبعث الشك في كلامهم.
وإذا فرضنا أن يكون الوحي ليس إلا شعورا نفسيا أو إشراقا روحيا أو إلهاما داخليا، ثم عدنا إلى هذا الحديث، وجدناه يناقض هذا الفرض مناقضة صريحة صارخة، لأسباب كثيرة نذكر منها ما يلي:
1 - إن شيئا من حالات الإلهام أو حديث النفس أو الإشراق الروحي، لا يستدعي الخوف والرعب واصفرار اللون، وليس ثمة أي انسجام بين