وقد أطلق على هذا المسلك فيما بعد اسم «التفسير بالرأي».
ويعدّ تفسير الإمام فخر الدين الرازي (مفاتيح الغيب) نموذجا بارزا للتفسير بالرأي، ويليه في ذلك تفسير الإمام البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) وتفسير أبي
السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم).
ولا يذهبن بك الوهم إلى أن أصحاب التفسير بالرأي يستبدلون بالرواية والأحاديث الثابتة في تفسير الآية رأيا أو حكما من عند أنفسهم، فهذا مما لا يقدم عليه مسلم وهو عمل محرم بالاتفاق.
بل الحقيقة أن ثمة قدرا مشتركا بين أصحاب التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي، وهو الأخذ بما صحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو عن الصحابة (على الصحيح الذي يعتبر قول الصحابي في التفسير في حكم المرفوع) في تفسير الآية. ثم يفترقان بعد ذلك: فصاحب التفسير بالمأثور لا يزيد على ذلك إلا أن يعزز النقل بنقول أخرى مثلها أو مخالفة لها ليجمع بينهما، وصاحب التفسير بالرأي يجيز لنفسه أن يزيد على ذلك من اجتهاداته واستنباطاته المختلفة بقدر ما تسمح به دلالة اللفظ.
وعلى كلّ فإن الذي يجمع بين طريقتي التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي شروط أربعة لا بدّ من مراعاتها لكل من حاول أن يفسر شيئا من كتاب الله تعالى أيّا كان مسلكه ومنهجه في ذلك.
(الشرط الأول) التزام القول بما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك إذا كان فيه حديث ثابت صحيح؛ قالوا: ولكن ينبغي الحذر من الوقوع في الضعيف والموضوع أيضا، وقد بيّن العلماء ذلك وميّزوه.
وقال ابن جرير ما خلاصته: ومصدر هذا الوجوب أننا نقطع أن في القرآن ما لا ندرك معناه إلا ببيان الرسول، بدليل قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، مثال ذلك جميع الآيات المتعلقة بالأوامر والنواهي والإرشاد، مما يتوقف فهمه على معرفة نوع النهي والأمر فيه، ومبالغ فرائضه وقدرها وحدودها وشروطها وقيودها. وهذا وجه لا يجوز لأحد القول